أسوأ ما يعترى أى فصيل أو حزب ثورى هو أن يفقد البوصلة التى ترشده إلى المزاج العام لملايين الجماهير، ذلك أن مهارة أى حزب تتوقف فى المقام الأول على مقدرته فى حشد الناس وراء مطالبه التى يرفعها فى وجه النظام، بمعنى أن يفطن إلى ما يعتمل فى صدور الجماهير فى هذه اللحظة أو تلك، وهل إذا دعا إلى الخروج والتظاهر ستلبى الجماهير دعوته أم سترفضها وتنفر منها؟
هذه الحصافة فى قراءة مزاج الجماهير هى التى تضمن نجاح أى فصيل أو حركة أو حزب فى الاستمرار السياسى والتطور التنظيمى حتى يصل إلى السلطة إذا كان (يلعب) سياسة من أجل هذا الهدف، وهو هدف مشروع وحق أصيل لكل حزب سياسى، لكن يبدو أننا فى مصر لم ننتبه إلى المزاج العام للجماهير حتى هذه اللحظة، ولم ندرك الأهمية القصوى لهذا المزاج، وكم من الحركات السياسية والأحزاب فى العالم سقطت وذابت وتلاشت وانفض الناس من حولها لأنها أخطأت فى قراءة هذا المزاج!
تذكر طبعًا كيف استجاب الناس لدعوة الخروج فى 25 يناير 2011 فاحتشدوا بالملايين طوال 18 يومًا، لأن الدعوة مست مشاعر عميقة فى صدور الناس تراكمت طوال عقود ضد نظام مبارك وبطش أجهزته الأمنية، كذا نجحت حركة تمرد فى قراءة مزاج الجماهير ودعتها للخروج لإسقاط محمد مرسى فى 30 يونيو 2013، فلبى الناس الدعوة واحتشدوا بعشرات الملايين حتى سقط الرجل، لأن الناس كانت قد كشفت الخديعة الإخوانية وألاعيبها.
تُرى.. هل تدرك الحركات والفصائل (6 أبريل/ الاشتراكيين الثوريين/ طلاب الإخوان) التى تدعو للتظاهر هذه الأيام المزاج العام للجماهير؟ هل تستطيع أن تزعم أن الغالبية العظمى من الناس تصطف بجانبها، وأنها على استعداد للخروج والتظاهر؟
يبدو لى أن هذه الحركات والفصائل لا تعى بالمرة طبيعة المزاج الجماهيرى هذه الأيام، فالناس بعد ثلاث سنوات من الفعل (الثورى) قد استراحت إلى المحصلة النهائية، وهى طرد مبارك ونظامه، ثم إزاحة مرسى وجماعته، وبالتالى أصبحت الملايين فى حالة (استرخاء) اجتماعى إلى حين إقرار الدستور واختيار رئيس ومجلس شعب، خاصة بعد أن أنهكها (التعب الثوري) إذا صح التعبير، ولعل الغضب الذى ينتاب الملايين، من الناس العادية، إذا سمعوا كلمة مظاهرة الآن يؤكد لك ذلك.
صحيح أن الأحلام الثورية التى أطلقتها ثورة يناير لم تتحق بعد، ولم نعرف من قتل شباب الثوار، ولم تتم محاسبة القتلة، ولم نسترجع الأموال المنهوبة، لكن الناس تعى أن قفز الإخوان على الثورة واستيلاءهم على السلطة لمدة عام قد أجهضا الحلم الثورى مؤقتاً، وبالتالى قبل الناس بالانتظار قليلاً حتى تعود للدولة مؤسساتها الرسمية، ووضعها الطبيعى.
ويا شباب الثورة الداعى للتظاهر (عمال على بطال).. انتبه جيدًا إلى المزاج العام للجماهير قبل أن تدعو إلى مظاهرة فلا تتلقى سوى الشتائم واللعنات!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة