محمد مصطفى موسى

عبد الناصر وعفوًا "أوكا وأورتيجا"

السبت، 05 أكتوبر 2013 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا مقال ليس محايدًا، بل هو أبعد ما يكون عن الحياد، ولست أزعم أن الهوى الشخصى لا يأتيه من فوق ولا من تحت، فأنا أكتب عن "ناصر" وأنا أحبه، وعين الهوى عن كل عيب كليلة، وأنى أراه بعين هواى فارسًا جميلاً، ورغم أنى أعلم من أخطائه أو خطاياه، ما أعلم، لا أملك لمشاعرى كبحًا، ولا أجد لها تفسيرًا.

ولعل تورطى فى حب الزعيم، لا يجسد حالة فردية، فثمة حب جمعى جارف، يزداد تألقًا ويتوهج اشتعالاً، كلما مرت الأيام، حب أشبه ما يكون بقارورة عطر فرنسية، كلما تعتقت كلما غلا ثمنها، وفاح شذاها.

بعد أكثر من أربعين عامًا من الرحيل، يرتفع الحب مدًا بغير جذر، فإذا بصور ناصر أيقونة الميادين الثائرة، وإذا بكل زعيم يريد أن يقتفيه، وإذا بكل ثائر يردد كلماته المدوية، وهى حالة لا تفسير لها إلا بعبارة شعبية، يرددها البسطاء: أحبنا فأحببناه.

هكذا هى المعادلة، بسيطة فى تعقيدها، وثمة تآلف روحانى بين شعب وزعيم.. وجسور ممتدة من كاريزما آسرة، هى منحة إلهية تقريرًا، تمتع بها الرجل، هذا ناهيك عن ضمير يقظ، وإباء وطنى، فيه اعتزاز وفيه شمم، وفيه نقاء ثورى صادق، وفيه بعض تهور، وفيه معارك مظفرة وأخرى خاسرة.

هكذا المعادلة، وعليك أن تعترف بها، وتخضع لشروطها، بغض النظر عن حبك لعبدالناصر، أو كراهيتك له، وبعيدًا عما إذا كنت تراه حصانا عربيا أصيلا، طوى البلاد طولا وعرضا وركضًا وصهيلاَ، أم "حصان حلاوة"، صنعته الدعاية، من أجل الموالد الشعبية القومية.

دع شأن المشاعر جانبًا، ولا تعير الرأى الشخصى بالا، وفكّر متجردا.. فهل تنكر أن ناصر هو الرئيس المصرى الوحيد الذى ترك من خلفه دولة بالمفهوم العلمى الحقيقى؟

لعله من نافلة القول، ومن المكرر من الحديث، أن الدول ليست الأحجار المتراصة، والأمم ليست القصور الشامخة، وإنما هى البشر أولا، والبشر ثانيًا، والبشر أخيرًا.

حتمية يقررها التاريخ، فبناء البشر يسبق الحجر، والنهضة الاقتصادية والتنموية تحتاج قاطرة من نهضة علمية وفكرية لسحبها، وهى حتمية يؤكدها الله عز وجل فى كتابه الحكيم قائلا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

كل ثورة تاريخية مؤثرة، لم تؤت ثمارها إلا بعدما استقرت فى وجدان المجتمع الجمعى، وترسخت فى خلاياه، بتحولها من ظاهرة "برّانية" إلى نزعة فكرية "جوّانية"، تهيئ المجتمع أفرادًا وجماعات، للقبول بحمل المشقات والتحديات، إيمانًا واحتسابًا، فلولا توغل مبادئ جان جاك روسو، فى نفوس الغربيين لما كانت الثورة الفرنسية.

"بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم.".. قالها شوقى شعرًا، وآمن بها عبد الناصر قلبا وعملا.

الرجل آمن بالإنسان المصرى، وكان حين يخاطب الشعب بجملة: "الشعب العظيم" كان يعلم يقينًا بأنه إزاء شعب عظيم، ومن ثم استثمر فى الشعب العظيم، فراهن، فكسب الرهان، فترك ثروة من العلماء تدر مليارات الدولارات على الاقتصاد الغربى حتى الآن، ذلك بعدما قطعوا تذاكر الذهاب بلا إياب، لما حرمناهم بيئة العمل وجرّفنا أراضى الإبداع.

هل من مشروع اقتصادى تنموى ريادى وثاب مبدع ذى مردود مستقبلى أجدى وأعلى ربحية؟
هل ثمّة ما هو أهم من بناء البشر؟

نحبه أو نكرهه، لكننا لا ننكر أنه أورثنا وطنا جميلا، ومؤهلاً لمزيد من الجمال، حتى أنك لو نظرت الساحة الغنائية مثلا، لوجدت أن المنافسة على القمة كانت بين عبدالحليم وأم كلثوم، وخلفهما فريد ونجاة وفايزة وشادية ومحمد قنديل وليلى مراد.

كانت الحياة بديعة مبدعة، والآفاق حبلى بكل جميل، حتى جاء زمن الانفتاح الساداتى فأعطانا قيمًا مغايرة، وأورثنا عدوية وكتكوت الأمير، وصولا إلى عصر "أوكا وأورتيجا".. يبدو أن الورثة لم يكونوا أمناء على التركة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة