أغلبهم ذهب إلى هناك، فى البداية تصورت أنهم سافروا وأنهم سوف يرجعون واحداً بعد الآخر، لكن السنوات قالت لى إننى مخطئ، وإن هذا النوع من السفر لا يرجع منه المسافر أبداً!
لا بد أنهم إذن اجتمعوا هناك ولا بد أنهم عرفوا الاستقرار هناك، فهل اجتمعوا فى مكان واحد هناك، أو أن هناك مسافات بينهم وتفرقوا هناك.
كانوا معى وكنت معهم وكانت الدنيا حلوة بهم، وكانوا نجوم حياتى التى تضىء أيامى وليالى، لم أكن فقط واحداً منهم لكنى كنت لوحة اشتركوا كلهم فى رسمها حتى أصبحت أنا فى النهاية!منهم من علمنى الحب وكيف نبض القلب، ومنهم من فتح عينى على حقائق الدنيا، منهم من ملأ روحى مثالية وجعلنى أسير الخيال، ومنهم من غرز بذور الشهامة والفروسية فى روحى علمونى كيف أكون رجلاً، وكيف أكون إنساناً!
لم أعرف كيف يضحك القلب إلا معهم، ولم أذق حلاوة الدنيا إلا وسطهم، ولم اكتشف نفسى إلا فى عيونهم، لم أجد أذناً تسمعنى غير آذانهم، ولا واحة تريحنى إلا أحضانهم، ولم أحب سوى وجوههم!
كانوا لى الأهل والسند والوطن الأرض والبحر والسماء، فلما ذهبوا واحداً بعد آخر، أضحيت يتيماً ضعيفاً شارداً، لا أرض أقف عليها ولا بحر ينقلنى إلى شاطئ أمان، ولا سماء تشهد على أحلامى المحبطة، وطالت غيبتهم فى سفرهم حتى بات اشتياقى لهم يوجعنى وحتى ذكرياتى السعيدة معهم أخذت تنسحب إلى أركان النسيان ذكرى بعد ذكرى وأصبح وما تبقى من ذكريات يفوق الاشتياق، أصبحت الدنيا بدونهم لا طعم ولا مذاق لها أصبحت الدنيا فاترة وهم ليسوا حولى فيها أصبحت صعبة على نفسى كأنها لم تعد دنيا!
ولم يعد عندى غير سؤال يتكرر متى ينتهى كل هذا متى ألتقى بهم من جديد، ويضحك قلبى عندما تطالع عيناى وجوههم الحبيبة ويعود الدفء إلى نفسى الباردة عندما نجتمع من جديد؟
يا أصدقائى الذين ماتوا واحداً بعد الآخر.. وحشتونى!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة