عنوان المقال عبارة شهيرة قالها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، عندما أرادت أمريكا أن تطوعه وتكسر إرادته، وتدس أنفها فى الشؤون الداخلية لمصر، فتحداها ولم يركع أو يستسلم، وناشد المصريين أن يرشدوا استهلاكهم، ولا يفرطوا فى كرامتهم، ولذلك يبقى عبدالناصر العدو اللدود الذى تخشى أمريكا عودته، سواء فى صورة السيسى أو غيره، وكما تحالفت لهزيمة عبدالناصر تتآمر لضرب السيسى، فهى تريد حكاما يلعقون «الجزمة» لا أن يقولوا لها «ع الجزمة»، ومنذ أن دشن الزعيم الراحل أنور السادات - سامحه الله - مقولة «%99 من أوراق اللعبة فى إيد أمريكا»، تعانى مصر من سياسة «العصا والجزرة» التى تنتهجها واشنطن، وتحولت المعونات الأمريكية إلى أداة للضغط والابتزاز والتدخل فى الشأن الداخلى.
أخطأت الإدارة الأمريكية - كعادتها - حساباتها إذا تصورت أن مصر سوف تركع أو تجوع إذا قطعت عنها المعونات، فهى مثل البالون المنفوخ، وجرى تضخيمها والتهويل من منافعها، وقطعها يرفع عن كاهل مصر أعباء ثقيلة وضعوطًا هائلة، مثل قضية التمويل الخفى لبعض منظمات المجتمع المدنى، التى ألحقت أضرارًا بالأمن القومى المصرى، وذهب الجانب الأكبر منها لأنشطة تخدم المصالح الأمريكية، ولم تكن فى يوم من الأيام من أجل عيون مصر، أو لإنعاش اقتصادها وتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، وانحرفت عن الهدف الذى تقررت من أجله وهو تشجيع مصر على المضى قدما فى السلام مع إسرائيل، وتعزيز التواجد الاستراتيجى الأمريكى فى المنطقة، وجنت أمريكا ثمار المعونات التى تقدمها لمصر أضعافا مضاعفة.
تحررت مصر من أسر المعونات الأمريكية، وأصبح من حقها أن تعيد تقييم العلاقات مع واشنطن، وأولها أن يعود السفير الأمريكى فى القاهرة إلى حجمه الطبيعى، مثل سائر سفراء الدول الأخرى وأن تُنزع عنه صلاحيات المندوب السامى، فلا يحق له أن يتجول فى البلاد طولا وعرضا ويجند النشطاء ويدير المؤامرات، تحت مظلة دعم المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى، وأن تقول له السلطات المصرية: «قف مكانك» والتزم بحدود وظيفتك الدبلوماسية، فقد كانت معوناتك معاول للهدم والتخريب والعمالة وإفساد الذمم والضمائر.
من حق مصر أن تعيد تقييم نظرية «الحليف الاستراتيجى»، بعد أن كشفت واشنطن عن نواياها وأنها حليف استراتيجى لمصالحها فقط، ومنذ رحيل الرئيس المعزول محمد مرسى فى يوليو الماضى، قرر الرئيس الأمريكى تصعيد الأزمة ووقف تسليم مصر طائرات ومعدات عسكرية، فى وقت تواجه فيه مخاطر الإرهاب وأعمال العنف، ولم يعبأ بإرادة الشعب المصرى الذى خرج بالملايين رافضًا حكم تلك الجماعة المحظورة، ومعلنًا دعمه وتأييده ومساندته للجيش ووزير الدفاع الفريق السيسى، الذى يحظى بشعبية غير مسبوقة، ووضع أوباما نفسه فى صدارة قائمة الرؤساء الأمريكيين الأكثر كراهية للمصريين.
مصر عاشت قبل المعونات الأمريكية وستعيش بعدها، وتستطيع أن تبطل مفعولها بمواردها الذاتية ومساندة الأشقاء الخليجيين، فهى طحن بلا طحين وحجمها لا يتجاوز وجبة إفطار واحدة لتسعين مليون مواطن، والمصريون الذين أزاحوا الفاشية الدينية واستعادوا روح الكرامة الوطنية، هم الذين يقررون مستقبل بلادهم ويختارون حكامهم، وأمريكا التى تلعب بالديمقراطية وحقوق الإنسان لعبة الثلاث ورقات هى الخاسر الأكبر، وتفقد نفودها فى المنطقة، وتعادى شعوبها، وتعيد إلى الأذهان صورة راعى البقر القبيح الذى تحداه عبدالناصر وقال له «المعونات ع الجزمة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة