الأوطان تدار وتبنى وتتقدم بالتوافق الشعبى والرضا الجماهيرى والاتفاق حول أجندة وطنية تنتمى للوطن وتنحاز إلى الجماهير، والثورات تتحقق عندما يكون هناك تنظيم ثورى يدرك هذه القيم فيسعى مع الجماهير وبها للوصول للسلطة لتحقيق هذه المبادئ على أرض الواقع، ولكن خرجت الجماهير فى انتفاضتى يناير ويونيو بدون هذا التنظيم الثورى الذى كان يجب أن يكون حتى يحوّل هذه الهبات الجماهيرية إلى ثورة حقيقية بدلاً من أن تتحول إلى روح هائمة تبحث عن جسد تتقمصه، ومازالت تبحث عن هذا الجسد حتى الآن، ولغياب هذا التنظيم ادعى كل من هب ودب أنه صاحب الثورة، فخرجت جماعة الإخوان تقول إنها هى التى حمت الثورة فى موقعة الجمل، ولأسباب كثيرة تخص التيار الإسلامى والتيار المدنى وصل الإخوان للسلطة وكانوا يتعاملون مع الثورة حسب الطلب وحسب مصالحهم، فكانت الأخونة وتم الإقصاء وكان الإصرار على إخراج دستور على المقاس، وكما يريدون، بعيدا عن أى توافق وطنى ينتج دستورا معبرا عن كل الاتجاهات، أى أنهم قد طبقوا ما يسمى بالمعادلة الصفرية أى الحصول على كل المكاسب فى مقابل الخسائر للطرف الآخر، أى أن الوطن قد أصبح منقسما سياسيا وليس عدديا بالطبع، والآن وفى متابعة للجنة تعديل الدستور نرى نفس السيناريو يتكرر وإن كان لكل طريقته، أى أن هناك طرفا استحوذ تحت ادعاء الدين والحفاظ على الهوية الإسلامية والآخر يريد أن يستحوذ أيضا باسم الوطنية والمدنية، مع العلم لا هذا ولا ذاك كان هو صاحب الانتفاضتين فى يناير ويونيو، فالتيار الدينى الثورة ليست من أدبياته، وكان مترددًا فى المشاركة فى 25 يناير، والثانى لم نر له حركة حقيقية بين الجماهير وفى الشارع، فحركة الجماهير هى السابقة والسباقة فى كل الأحوال، وأولئك وهؤلاء يجرون ويستغلون ويدعون الثورية وعلى حساب الجماهير، الإخوان استغلوا العاطفة الدينية وفعّلوا خريطتهم الاجتماعية ولعبوا بالثورة تارة وبالعسكرى تارة أخرى فاختطفوا يناير، والآخرون استغلوا الرفض الجماهيرى لنظام الإخوان فخرجت الجماهير فى يونيو لإسقاطهم وانحاز الجيش للجماهير فسقط النظام، ولذا نرى فى لجنة الدستور ما يسمى بالكيد السياسى بديلا للمعادلة الصفرية، وهو ما يجعل الثورة وكأنها تصفية حسابات بين الطرفين، والخاسر هو الوطن والجماهير، فالدستور ليس هو دستور «الإنقاذ» وجماعتها مثلما كان دستور 2012 هو دستور الإخوان وتابعيهم، الدستور يا سادة هو دستور مصر وشعبها العظيم الذى انتفض وأسقط نظامين، ونحن لا نريد أن ندخل فى الدائرة المفرغة الجهنمية التى لا تنتهى أبداً، والحديث عن الهوية الإسلامية يجب ألا يكون متاجرة ودغدغة مشاعر للعاطفة الدينية وحصد مكاسب سياسية من ناحية التيار الإسلامى، كما لا يجب التعامل بهذه الصورة التى تأتى من بعض أعضاء «الإنقاذ» فى لجنة الدستور والتى تتحدث عن الهوية بطريقة تثير المتدينين والذين يمكن أن يتم التأثير فيهم من الطرف الإسلامى، أخطاء الإخوان عندما اختطفوا يناير وأقصوا الجميع، ويخطئ الآن كل من يتصور أنه يحاول استغلال يونيو ويناير لحصد مكاسب حزبية وذاتية بإقصاء أى مواطن مصرى أيا كان انتماءه، إسلاميا أو غير إسلامى مادام يوافق على المشاركة على أجندة وطنية تنتمى إلى الوطن وتنحاز للجماهير، وهذا غير أصحاب العنف والتحريض عليه، الشعب هو السيد وهو الذى أسقط ويستطيع أن يسقط وكفى متاجرة بالشعب، فهو لا ينسى وحتى تظل مصر وطناً لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة