لن يكسب أحد من العنف وإراقة الدماء والجميع خاسرون، لا الإخوان ولا الإنقاذ ولا الحركات الثورية ستحرز هدفا فى مرمى الآخر، لأن المعركة اتجهت إلى الطريق الخطأ الذى ليس له نهاية سوى مزيد من العنف والدماء، وطرفا الصراع هم أبناء وطن واحد وليسوا أعداء، جمعتهم الثورة فى ميدان واحد وفرقتهم السلطة فى عشرات الميادين، وبدلا من الحوار والتفاهم والمشاركة وانتهاج أسلوب التغيير السلمى، تم اللجوء إلى المولوتوف والخرطوش والطوب والحجارة، ودخلت البلاد نفقا مظلما لا يعلم أحد غير الله سبحانه وتعالى إلى أين يقودنا، وكأنها كانت تجلس فوق فوهة بركان، انفتح بسراشة ليلقى شظاياه وحممه على الجميع.
يذكرنى المشهد المؤلم بالآثار الوخيمة لنكسة 67 التى أسفرت عن مولد الجماعات الدينية، ردا على الهزيمة وانهيار الحلم القومى، الذى دغدغ مشاعر الشباب بقيام دولة مصرية قوية ومتعافية، فأفاقوا من الحلم على كابوس، وانتحرت الأحلام العريضة على مقصلة الواقع المرير، ووقعت مصر طوال السبعينيات والثمانينيات فى براثن العنف والقتل وإراقة الدماء.. فهل يحدث العكس وتنتهج الجماعات الثورية نفس منهج التيارات الدينية، ردا على استئثار الإخوان والإسلاميين بالسلطة وإقصاء الآخرين وتهميش دورهم وطردهم من المسرح السياسى.. وهل يكون اللجوء إلى العنف هو البديل لانسداد قنوات التغيير السلمى، مع الأخذ فى الاعتبار أن صندوق الانتخابات فشل حتى الآن فى إيجاد صيغة مقبولة، تحقق الارتياح والقبول وتهدئ المخاوف والهواجس.
لن يكسب أحد من العنف، ويجب أن يدرك الإخوان أن مصر لن يحكمها فصيل واحد، بل تحتاج لمظلة أكثر اتساعا تضم كل القوى والتيارات السياسية بجانب حزب الحرية والعدالة والإسلاميين، فليس من الحكمة والذكاء أن تكسب بالضربة القاضية، وليس من المعقول أن تستقوى بالأهل والعشيرة والأتباع، فمنذ مجىء الدكتور محمد مرسى للحكم أصبح رئيسا لكل المصريين، وراعيا لمصالحهم، وساهرا على أمنهم واستقرارهم، ويجب الاعتراف بأن قطاعا عريضا من المصريين لا يشعر بذلك، ولم يُشعره الرئيس بذلك، فاتسعت الهوة بين الحاكم والمحكوم، وباتت العلاقة فى أمس الحاجة إلى المراجعة والتصحيح، عشرات الأمثلة والمواقف قادت إلى الأزمة وكان يمكن تداركها بسهولة، لو استجاب الرئيس لمطالب المعارضة فى صياغة الدستور، وفى إدارة حوار وطنى حقيقى مع المعارضين والنشطاء وليس مع المؤيدين والأتباع، وفى توجيه النصح لكتيبة الإخوان الإعلامية بعدم التعالى والاستفزاز، وانتهاج أسلوب خطابى يوحد ولا يفرق، يلم الشمل ولا يفرق الصف، منهج فيه التواضع وليس التكبر، ومن تواضع لله رفعه، مع الانتباه لحساسية الخلط بين منصب الرئاسة الرفيع ووضعية مرشد الجماعة، الذى بدأ فى الآونة الأخيرة يعقد المؤتمرات الصحفية، ويدلى بالتصريحات السياسية التى تتعلق بالحكم والنظام، دون أن تكون له صفة رسمية تتيح له هذا الظهور المكثف، ويجب أن يقتصر دوره على كونه داعية له كل الوقار والاحترام.
لن يكسب أحد من العنف، وإذا كان الناس حين اختاروا الرئيس مرسى قد قالوا «إذا
معجبناش هنغيره»، فيجب أن يكون التغيير السلمى للسلطة عن طريق الصندوق، هذا مبدأ راسخ وثابت على أرض الواقع، بقوانين وإجراءات وفعاليات تولد الثقة والطمأنينة بأن الديمقراطية أصبحت حقيقة لا خيالا، ويتطلب ذلك تخفيف قبضة الإخوان على مفاصل الدولة ووقف إجراءات الأخونة، والتركيز على القضايا الجوهرية التى تتعلق بلقمة عيش الناس ومستوياتهم المعيشية.. وبدون ذلك لن يأتى هدوء ولا استقرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة