كلما سمعتهم يتحدثون عن «حب مصر» أتحسس مسدسى، فأى مصر تلك التى يحبونها وماذا يفعلون فيها أكثر من ذلك إذا كانوا يكرهونها، وهل أصبح الحب فى هذا الزمن الصعب مرادفا للخداع والنفاق وعلو المصالح الشخصية؟ هل أصبحت عبارة «حب مصر» من ضروريات النصب على المواطنين الأبرياء الذين يحلمون بحياة كريمة؟.. وهل هى جواز مرور إلى اعتلاء المناصب السياسية وقنص المغانم الاقتصادية؟.. وهل الذى يحب مصر يشعل فيها الحرائق ويعرض أمنها واستقرارها للخطر الدائم، ويضعها فوق صفيح ساخن ويجعل شعبها فى حالة توتر قصوى بسبب التسيب والانفلات والخوف على المستقبل، وسريان عدوى اليأس والإحباط بشكل جماعى بين قطاعات عريضة من الناس؟
إننى أدعو جميع المتحدثين فى الفضائيات ووسائل الإعلام ألا يزينوا كلامهم بالكلام المعسول عن حب مصر أو أنهم يعرفون مصلحة مصر، أو أنهم يتحدثون باسم الجماهير ويتحسسون نبضهم، فالله وحده سبحانه وتعالى هو الذى يعلم خفايا الضمائر وأسرار النفوس، كما أن الوحيد الذى يعرف النبض هو الطبيب الذى يضع سماعته على قلب المريض.. وهؤلاء الذى يطلون علينا فى التليفزيونات لا تتوافر فيهم هذه المواصفات القياسية للحبيبة والعشاق، فيخرج كلام الحب والعشق والمصلحة من أفواههم بارداً وباهتاً ومتناقضا، وكاشفا عن حالات الغش الفاضحة فى حب الوطن، والشعوب تؤمن بالدليل أكثر مما تؤمن بالقسم، وإلى الآن لم يقدم «حبايب مصر» دليلاً واحداً على حب مصر.
الذى يحب مصر لا يتاجر بها ولا يجعل الكلام بديلا للفعل، مثل التيارات السياسية والجماعات الدينية، التى توظف الدين والسياسة لتحقيق مكاسبها الشخصية، ولا تعرف مصر وحب مصر وشعب مصر إلا فى وقت الزنقة وأيام الانتخابات، وانظر حولك ستجد آلاف البشر والأمثلة والصور والوجوه، لهذ الحب الكاذب الذى لا ينطلى على الناس، لأنه يقوم على المصلحة والمنفعة ومحاولة نيل أكبر جزء من كعكة السلطة، وإذا لم ينل مقصده انقلب رأساً على عقب، فالمسألة عندهم ليست حب مصر ولا يحزنون وإنما المشاركة فى المغانم والأسلاب، والحمد لله أن كثيرا من الناس أصبح لديهم جهاز داخلى تلقائى لكشف الكذب، وتحصنوا ضده بسبب كثرة حالات الخداع والخديعة التى تعرضوا لها. الذى يحب مصر لا يهرب بأمواله واستثماراته إلى الخارج بحجه الخوف وعدم الطمأنينة، فمن الذى يتحمل مصر الحبيبة فى أزمتها إذا فر بعض أبنائها الذين اغترفوا من خيرها، ومع ذلك فإن هؤلاء الفارين هم أكثر المستهلكين لعبارات الحب والوفاء والإخلاص الإنشائية لمصرهم الحبيبة، وكأن وطنهم منطقة ترانزيت وليس تراباً نفديه بأرواحنا ودمائنا إذا تعرض لخطر أو عدوان، ومهما كانت المبررات والأعذار لليأس والهروب، فالذى يحب مصر هو الذى يتشبث بها ويدافع عن ثقافتها وهويتها وتراثها، ولا يسمح بطمس معالمها وضرب قوتها الناعمة.. فأرجوكم أن تستنهضوا الهمم والعزائم وترشدوا اللعب بالمشاعر، ولا تجعلوا عبارة «حب مصر» علامة مسجلة لتضليل أهل مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة