جاءت الكوارث المتعاقبة فى أوائل العام الجديد، مخيبة لآمالنا وتفاؤلنا بشهور السنة التى كنا نترقبها بالخير والتأملات.. وإذ بنا نصطدم بأكثر من كارثة.. أهمها كوارث القطارات المتعاقبة التى أصبحت تشير إلى أكثر من مصدر للخلل وأكثر من شكل للإهمال الجسيم الذى لا يبشر إلا بالمزيد من هذه الفوضى التى تنال أرواح المصريين الأبرياء.. الأمر الذى يجعلنا نعيد قراءة واقعنا بعين أخرى وفكر آخر ورؤية يسودها العلم والقانون.. بعد أن ساد أمور تسيير أعمالنا اللامنطق والبعد عن التقاليد واتباع القوانين.. وواكبت كوارث القطارات كارثة أحسبها امتدادا لهذا الإهمال، وهى انهيار عمارة بمنطقة المعمورة بالإسكندرية ضمن سيل من انهيار العمارات على مدى سنوات، الذى يشكل ظاهرة سلبية فى سلسلة سقوط العقارات فى مصر وهى من أكبر دول العالم فى هذا المجال.. لسبب بسيط أن هناك فى أى بلد -سواء تقدم أو تأخر عن ركب الحضارة- ملفا لكل عقار سكنى أو إدارى، ملف يحتوى على تاريخ هذا العقار والمسؤول عن تصميمه وبنائه وعن حالته وعن مناطق الضعف فيه وعن احتمالات تفاقم هذه النقاط، أو طغيان إحدى السلبيات على الأخرى، ولهذا فقلما يحدث مثل هذا الانهيار فى بلاد أخرى إلا إذا كانت لظروف خارجة عن إرادة الإنسان مثل الزلازل والبراكين، ولعل انهيار عقار المعمورة يفتح الطريق مجدداً للأخذ بما يفعله أى بلد فى العالم، وخاصة أن لدينا فى مصر عمالقة العمارة والتخطيط العمرانى ولهم خبرات عالمية.. وهذه الكوارث فرصة للجوء إلى البحث عن سبل علمية هادئة لصيانة المبانى والحفاظ على أساساتها.. والمدهش أن عقار المعمورة المنهار حديث البناء، وهنا لابد من فتح ملفات بنائه وتشييده والعمارات المحيطة حوله.. وهل راعت اللجنة التى قامت ببناء العمارة المنكوبة الأساليب العلمية من معاينة الأرض، وما إذا كانت صالحة للبناء أم رخوة وتحتاج إلى مزيد من دعم الأساسات وهذه علوم ليست بالحديثة ويفهمها أى مهندس معمارى ناشئ، وبالفعل فقد استدعت النيابة العامة مسؤولى الإدارة الهندسية، وتم تكليف وضبط المقاول الهارب، وإذا بمفاجأة غريبة تظهر أمامنا هى اختفاء ملف عمارة الموت بالمعمورة بالإسكندرية، والسؤال هو كيف اختفى هذا الملف ومن المسؤول عن إخفائه؟
القضية تصب فى خانة التخوين والإهمال والفوضى.. فى بلد يحتاج إلى نظام صارم ويد قابضة من حديد، لأن الأمر قد طال حياة المواطنين المصريين الذين أصبحوا أسرى الحوادث المتتالية، فمنذ 52 يومًا فقط كانت حادثة قطار أسيوط التى أودت بحياة 51 طفلاً أزهريًا يتطلعون للعلم، كانوا عائدين بسيارة المدرسة الأزهرية وفى دقائق صاروا فى الجنة.. ثم جاء حادث البدرشين واصطدام قطارين فى انفجار كبير جداً أسفر عن ضياع أرواح كثيرة ومئات المصابين، ثم حادث عمارة الإسكندرية التى راح فيها أكثر من 29 قتيلاً إلى جانب الضحايا من حادث مزلقان أرض اللواء، وقد تم فيها دهس أسرة كاملة بأطفالها.. فإذا كنا نريد وقف هذا النزيف المستمر فلا أقل من تشكيل لجنة أولى لإعادة بناء هيئة السكة الحديد مرة أخرى.. والمعروف أنها كانت ثانى سكة حديد فى العالم بعد بريطانيا، ولكن مع مرور الزمن انحدرت الخدمة وصارت متدنية جداً.. ومن الغيرة الوطنية عودة هذه الهيئة إلى هيبتها، لابد من سرعة إنقاذ السكك الحديدية من الشمال فى الإسكندرية حتى أسوان، وهذه اللجنة لابد من تلقيها أحدث أساليب التطوير من أعلى الهيئات العالمية.. فالمسألة لم تعد مجرد سد خانة وتصريحات لتطمين الجماهير.. القضية أنه لابد من التطوير السريع على أعلى مستوى.. أما بالنسبة للعقارات والمبانى فلابد من إعادة تقييم وضع العمارات فى مصر وكتابة تقارير تصف كل واحدة وتاريخها ومستقبلها هذه المسؤولية لابد أن تبدأ لتنتهى سريعًا قبل أن تصير التحقيقات فى واد والحقيقة فى واد آخر.. وقبل أن تصير هذه التحقيقات مجرد سرد تبريرات.. فما أحوجنا اليوم إلى سرعة تنفيذ وقرار حاسم بعيد عن الهوى والضغينة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة