ما أشبه اليوم بالبارحة، أذكر منذ عامين وتحديدا فى سبتمبر 2010، عندما قرر الرئيس السابق مبارك عقد لقاء وفد من الفنانين المصريين، بعد لقائه الشهير بالفنان طلعت زكريا، وقتها انقلبت الدنيا لأن الرئيس فاجأ الكثيرين بهذا اللقاء، والذى ضم حينها أجيالا مختلفة، من النجوم، وخرج علينا العديد من النجوم ليؤكدوا سعة صدر الرئيس، وتقبله كل ما طرحه عليه الفنانون من أزمات ومشاكل الفن والصناعة ووعدهم بعودة عيد الفن لتكريم الرموز الفنية الكبيرة والعظيمة، ووعدهم الرئيس بتنفيذ الكثير من الأمور، التى ناقشها معا، وخرج الكثير ممن حضروا اللقاء بانطباعات إيجابية، وجمل تندرج تحت بند الأكليشيه، الرئيس المتفهم المقدر لقيمة الفن والفنانين، وخفة دم الرئيس، وكيف أنه ألقى «إفيه هنا»، ومازح الفنان فلان، تذكرت كل هذه التفاصيل وأكثر منها، وأنا أتابع مع زملائى فى قسم الفن خبر لقاء الرئيس الحالى مرسى بوفد من الفنانين والمثقفين وتصريحات بعضهم قبل وبعد اللقاء، وما قيل عن «قفشات» الفنانة سهير البابلى مع الرئيس.. وكيف أنها قالت له شكلك مش فاكرنى فأخذ الرئيس يذكرها بتفاصيل مشهدها مع أحمد بدير فى مسرحية ريا وسكينة وسألها مازحا: «هو أحمد بدير كل كل الأكل دا بجد»؟ الله دمه خفيف سيادة الرئيس وكأن الله كتب علينا أن يتميز كل رؤسائنا بخفة الدم ومش مهم أى حاجة تانية»، وتأملت الصور التى التف فيها بعض الفنانين حول الرئيس، فى محاولة للتقرب أكثر وأكثر، وكأن كل همهم أن يلتقطوا بعضا من الصور وهو يضحكون مع الرئيس، والمحزن حقا أن هذا يحدث بالتوازى فى توقيت يتعرض له الفن والفنانون لحملة شرسة، من التيار الدينى المتطرف، ويتم وصف بعضهم بالعهر والدعارة، والأكثر حزنا أن اللقاء يبدو أنه تم على طريقة «هاتوا شوية مثقفين على فنانين» كنوع من الشو الإعلامى، ولكى نهدئ الأوضاع قليلا، ونصدر للناس والعالم أن الفن يحترم ويقدر، وأنه لا مساس بالحريات، وعمل بعض مستشارى الرئيس الخبثاء على سرعة إنجاز هذا اللقاء، لأنه على دراية أكثر بنفسية ونوعية بعض من الفنانين، كنت أتخيل أنه عندما يطلب رئيس دولة لقاء مبدعى ومفكرى مصر، أن يكون هناك تنسيق أكبر بينهم، أن يذهبوا وهم يحملون ورقة مطالب محددة، ويختار فيما بينهم من يتحدث نيابة عنهم، ويحمل صوتهم بعيدا عن جو المجاملات والكلام المرسل وطريقة مهرج الملك، الوقت لا يتحمل كل ذلك، والقادم أسوأ فى مجالهم وهم يعلمون، تمنيت أن يختاروا مخرجا بحجم وثقل داوود عبدالسيد، يحمل صوتهم ورؤاهم وأزماتهم، أو رمز من رموز صناعة السينما أو المسرح فى مصر، وكان على الجميع منهم اختيار الصمت للتعبير عن موقفهم الموحد وترك الكلام لمن يمثلهم، لتوصيل رسائل محددة، مثلما استخدمهم الرئيس ومستشاروه لتوصيل رسالة للمجتمع والعالم، لماذا لم يسأل واحد من فنانين مصر ونخبتها المثقفة الرئيس عن تلك القنوات الدينية التى تهب علينا من كل اتجاه، هو قال ببساطة لم نطلب من أحد الهجوم على الفن والفنانين، ولكنه فى المقابل لم يتخذ إجراء واحدا ضد واحدة من هذه القنوات أو هؤلاء ممن يصفون أنفسهم بالمشايخ؟ وببساطة تركه لهم يؤكد أنه لا يمانع.
أحترم من حضر اللقاء، ومن اعتذر، ولكننى أعتب عليهم جميعا، لأنهم، للأسف أكدوا أنه لا أمل فى النخبة ولا رهان عليهم، وارتضوا أن يلعبوا دورا رسم لهم بدقة، والصور التى نشرت بعد اللقاء خير معبر، وعدم وجود أجيال كاملة من النجمات والمثقفات يؤكد فعليا كيف ينظر الرئيس والإخوان المسلمون للفن والفنانين.. والمهم أن فنانى مصر ومثقفيها ضحكوا علشان الصورة تطلع حلوة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة