يخيل لى أحياناً أننا استعضنا عن مباريات الأهلى والزمالك، وما كان بها من إثارة، بخطب سيادة الرئيس محمد مرسى، ففى كل مناسبة يلقى فيها «مرسى» خطابا تمتلئ الدنيا بالتعليقات الساخطة عليه أو المهللة له. يرى فريق أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بينما يرى آخر أنه لعنة وحلت بأرض مصر. ويبدو أننا قد استعذبنا فكرة السجال السياسى، فغرقنا فيها وتمادينا حتى أصبحت حياتنا سجالا فحسب، جعجعة بلا طحن، ضجيجا يعقبه ضجيج، يسأل الواحد أين الوطن فى كل هذا ولا مجيب. وفى الحقيقة فقد حرص مرسى على أن يبتكر فى خطاباته بحركة أو اثنتين تشغل الرأى العام حينا من الزمن، مرة بفتح الصدر فى ميدان التحرير، ومرة بالترضى عن الخلفاء الراشدين فى إيران، ومرة بالحديث عن رسول الله فى أمريكا، لكن ماذا بعد؟.. لا شىء. لا وطن يرتقى، ولا مواطن يرقى، ولا حق يعود، ولا أمل يجدد، أمور شكلية، تتبعها أمور شكلية، لنغرق فى الشكل دائماً، أما المضمون فغير مضمون.
ولأن إنجازات السلطة صارت «شكلية» صارت معارضة المعارضة «شكلية»، فقابل المعارضون «حركة» فتح الصدر فى التحرير بصورة مرسى وهو مدجج بآلاف الحراس فى مسجد عمرو بن العاص، ومسجد إيطاليا، كما ردوا على خطبته فى إيران متحدياً بصوره مع نجاد ضاحكاً، كما ردوا على خطبة مرسى العصماء فى الأمم المتحدة بصورته مع رئيسة وزراء أستراليا وهو «يهرش»، فغرقنا فى التفاهات وتركنا الأساسيات، وإن كان يحسب للسلطة أنها أجبرت المعارضة على اتباع نفس أسلوبها «الشكلى»، فيحسب عليها أيضا أنها جرت الوطن إلى حالة قميئة من الاستغراق فى الأمور الشكلية، وتركت ما يهم الوطن ويشغل المواطن، وبدلا من أن يصبح الرئيس قائد الدولة وربانها ورائدها إلى «النهضة» أصبح كخطيب القبيلة فى العهود البائدة، يدبج الخطب، ويسهر الليالى ليحشر فيها الاستشهادات، ليصير مادة للحديث، ومبعثا للتفاخر أو الخذلان، لنتأكد حقا أننا «ظاهرة صوتية» لا نجيد إلا الكلام، والكلام على الكلام، والعراك بسبب الكلام، أما الفعل.. ففاضح.
نوع آخر من الهرش القمىء هلّ علينا من القنوات الفضائية المصرية، هو «الهرش» فى الملفات القديمة التى احتفظت برائحتها العفنة على مر الأيام والشهور، ففتح الإعلامى وائل الإبراشى ملف لقاءات السلفيين مع المرشح السابق أحمد شفيق فى لقائه من الشيخ ياسر برهامى، الأب الروحى لحزب النور، فتهرب برهامى من الإجابة على الإبراشى حينما سأله هل قابلت أحمد شفيق أم لا؟ فرد: اتصلت به فقط، وكرر هذه العبارة ما يقرب من عشرين مرة، غير أن برهامى أكد فى اليوم الذى يليه فى مداخلته مع الدكتورة هالة سرحان فى برنامجها «ناس بوك» أنه قابل شفيق عدة مرات فى بيته، وكان بصحبته كل من أشرف ثابت وكيل مجلس الشعب المنحل، وجلال درة أمين عام حزب النور، وعبدالمنعم الشحات.
وقالت التسريبات من داخل الحزب- بحسب ما نشره موقع اليوم السابع- إن برهامى فاوض شفيق على حصول حزب النور على أربع وزارات ومنصب نائب الرئيس، ويشاء الله أن تظهر تلك الحقائق فى أوج حرب التيار الإسلامى على خصومه السياسيين وتشويهه لهم، وقبيل معركتى الدستور والبرلمان، لنعرف جيدا من كان على استعداد أن يفرش جسده مهادا للحرية فى الميدان، ومن كان على استعداد أن يفرش خده وسادة لحذاء أى حاكم، فهل نستوعب الدرس؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة