لا أصدق حقا أن هناك من يريد اغتيال المشير محمد حسين طنطاوى، ليس لأن الرجل محصن ضد الأذى أو لأنه خارق ليمنع القدر من نيله، لأن حسابات العقل والمنطق، تؤكد أن المشير لا يمثل خطرا على أى أحد حتى هؤلاء الذين عملوا معه فى حقبة النظام السابق وقالوا أمامه ما لا ينبغى أن يقال، لم يخشوا أن يتحدث الرجل يوما فيذكر فضائحهم، وهو شعور غريب بالأمان من جانبهم لا نجد له مبرر سوى ما عرفه كل من اقترب من الرجل بأنه فى لغة السياسة «ذئب بلا أنياب»، حتى فى الفترة الانتقالية كان انبهار السياسيين - المحدثين منهم على الأقل - يتلاشى مع أول ثلاث كلمات ينطقها المشير فى اجتماعاته معهم، فليس هو بالرجل الغامض الذى تخشاه حين يتكلم وترتعب لمجرد صمته، ولم يكن حتى هذا المسؤول الصاخب التى تجعله مشاغل السلطة كثير الكلام والحركة فلا تأمن عاقبته.
حتى فى الفترة الانتقالية لم يحافظ المشير كثيرا على مكانته كأهم رجل فى مصر واستمر لأيام قليلة بعد التنحى، وأخذ نجمه فى الأفول شيئا فشيئاً، فاختفت صورته أمام بعض المصريين كقائد وطنى خلف غبار الأحداث المؤسفة فى ميدان التحرير وما حوله، وأعمال البلطجة والانفلات الأمنى فى قرى وأطراف المحروسة، وظلت صورته واضحة عند البعض كحامٍ للثورة ومحافظ على هذا البلد من السقوط فى بئر التفتت، وهؤلاء كان لديهم سؤال دائم عند كل كارثة فى الفترة الانتقالية «لماذا يصمت المشير على هذه الأمور طالما يمتلك الحل»، وللأسف عندما توصلوا للإجابة كانت صدمتهم أشد من صدمة الفريق الأول، فالرجل لا حول له ولا قوة، لا يخطط أو يسعى لهدف ما أو حتى يتآمر.
لقد كان المشير يحلم، حسبما أعتقد، باليوم الذى يترك فيه السلطة آمنا ليذهب إلى بيته ويرتدى الروب ويجلس عند الغروب يشاهد أحفاده يتقافزون من حوله، وهو طموح إنسانى لا لوم عليه فيه، لكنه أيضا كان مطالبا فى هذا الوقت بأن يجعل لنفسه طموحا سياسيا يسعى فيه إلى مستقبل أفضل لهذا البلد، بدلا من أن يتركها لباطل مجهول أريد به حق يسمى «تسليم السلطة».. كان طنطاوى فى طموحه هذا كمن صعد إلى القمر بينما أقصى أمانيه أن ينظر من أعلى برج القاهرة.. للأسف المشير انتحر دون أن يفكر أحد فى اغتياله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة