"حى على خير العمل".. هو بالتأكيد نداء شيعى يرفق بالأذان لدى الإخوة الشيعة، وهو على قدر اختلاف أهل السنة والعبد لله مع هؤلاء بشأن هذا المذهب إلى يوم الدين أو إلى آخر العمر، فالكلمة فى حد ذاتها توحى بالدعوة للعمل وقضاء وقت الفراغ فى كل ما يفيد، ونبذ التعطل والبطالة، فى هذا الإطار تثار بشكل دائم جدوى دعاوى الإضراب والاعتصامات الفئوية التى أصبحت بالعشرات يوميًا، وهو أمر إذا ما قورن بأحوال البلاد والعباد الاقتصادية، نجده أحد أهم الأمور المتسببة فى سوء الأوضاع الاقتصادية التى نعيشها الآن من عجز فى الموازنة، وعجز فى الميزان التجارى، وعجز فى ميزان المدفوعات، وتضخم هائل، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وانخفاض مستوى الدخل الفردي، وتدنى معدلات الاستثمار المحلى والأجنبى.. إلخ، كل هذه الأمور هى بالتأكيد أحد أهم نواتج الإضرابات والاعتصامات، أو بالعامية التوقف وتعطل العمل.
من المؤكد أن تدنى المرتبات بشكل خاص وضعف الأوضاع الاجتماعية بشكل عام هى مشكلة تؤرق الكثيرين، وتسبب نتيجة ارتفاع الدخول لدى البعض وتدنيها لدى البعض الآخر نوع من الأحقاد الاجتماعية، الذى يعكر صفو المجتمع إلى أبعد الحدود، وهذه الأمور من المهم أن تجد لها الدولة حلاً سريعًا لها، لاسيما أن تلك الحلول غير مكلفة لها على الإطلاق، فمن خلال إعادة توزيع الدخول، وتنفيذ الحد الأعلى والحد الأدنى للأجور، يمكن بسهول إرضاء المعتصمين والمضربين عن العمل.
على أن المشكلة من جانب آخر تكمن فى نوع ثانى من الاعتصامات والإضرابات، وهو نوع لا يمكن للدولة أن تنفذ لأصحابها مطالبهم، نتيجة تحمل ميزانية الدولة لأعباء إضافية، مما يرهق كاهلها على إرهاقه الموجود بداية، هنا نصبح أمام نوعية جديدة من الأعمال الفئوية غير قابلة للحل فى الأمد القريب، وقد تعامل نظام مبارك مع النوع الأول والثانى من الاعتصامات والإضرابات بنظرة أمنية. وتلك النظرة رغم سهولتها، إلا أنها تعقد الأمور إلى أبعد حد، وتفضى إلى حالة غليان قائم وسائد فى مجتمع قابل للانفجار فى أى وقت، على النحو الذى حدث فى 25 يناير 2011.
إذن ما العمل؟
من المهم أن يعى أصحاب النوع الثانى من الاعتصامات والإضرابات، أن قطاعا معتبرا منهم يتسبب فى تعطل دولاب العمل والإنتاج ويؤدى إلى شقاء كثيرين، خذ على سبيل المثال إضراب المدرسين وإضراب أطباء المستشفيات وإضراب الطيارين وإضراب عمال السكك الحديدية وإضراب سائقى المترو وإضراب سائقى الأوتوبيس.. إلخ، وكلها إضرابات لعشرات من المواطنين أثرت على مئات الآلاف من العباد. ومن المهم أن تعى الدولة أن بعض المضربين لن يتخلوا بسهولة عن المغانم الإضافية التى يرتزقون منها، حتى لو قامت الدولة بحل مشاكلهم رغم صعوبة حلها.
بعبارة أخرى، من المهم إدراك أن المدرسين لن يتخلوا عن الدروس الخصوصية كما يدعون، لو تحققت مطالبهم المتمثلة فى رفع رواتبهم. أو أن يتخلى بعض أمناء الشرطة من ضعاف النفوس عن جباية الإتاوات والرشاوى لو تحسنت أحوالهم المعيشية.. إلخ، هنا يصبح على الدولة دائما أن تكون جاهزة بوجود بديل. والبديل هنا يتعلق بجلب آخرين يحلون مؤقتًا محل هؤلاء، ويحصلون على ما يحصلون عليه، خصمًا منهم، وهؤلاء كثر، فمعدلات البطالة مرتفعة، وإذا ما قامت الدولة بنداء عاجل لبعض هؤلاء العاطلين وبذات أو بأقل من المرتبات التى يرفضها المعتصمون لاستجاب عشرات الآلاف، هنا يكون التهديد الدائم من قبل الإدارة لهؤلاء أمر مجدٍ طالما هناك استعصاء حقيقى على حل مشاكلهم، أو أن هذا الحل يكلف موازنة الدولة الكثير والكثير من الأعباء. خذ على سبيل المثال، ما قامت به الدولة من جلب العشرات من سائقى الأوتوبيسات من جنود القوات المسلحة بعد أن فشلت فى إعادة السائقين المضربين إلى عملهم، من الممكن أيضاً القيام بنفس الأسلوب مع المدرسين، الذين لن يقلع غالبيتهم العظمى عن الدروس الخصوصية حتى لو حققت الدولة لهم أضعاف مطالبهم.
باختصار من المهم أن تتعامل الدولة مع المعتصمين والمضربين بنوع من الحنكة الشديدة، بحيث تستجب للمطالب كلما استطاعت وكلما وجدت العدالة فى تلك المطالب، وتساوم وتناور كلما كانت المطالب مكلفة للمواطن العادى، وكلما كان هناك بديل تهدد به وتنفذ تهديدها للحد من تلك المشكلة التى أصبحت ترهق كاهل الاقتصاد المصرى والمواطن مستقبل الخدمة.. وعلى الله قصد السبيل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة