أثناء دراستى الجامعية التحقت بتنظيم سرى انهار وتلاشى من الوجود سريعا، لكن التجربة علمتنى الكثير، وتكشفت لى حقائق التنظيمات التى تعمل تحت الأرض، وتخلق بيئة نموذجية للفساد والانحراف السياسى، وبالتالى فضلت العمل السياسى عبر الأحزاب، وبالفعل اشتركت فى تأسيس أحد الأحزاب، لكنى انسحبت بعد عدة أشهر، لسببين الأول يتعلق بالعيوب الهيكلية فى تكوين وعمل الأحزاب المصرية وأهمها غياب الديمقراطية الداخلية وهيمنة قيادات هرمة فى العمر والفكر وبعيدة عن الشارع. والثانى أن النجاح فى البحث العلمى والكتابة الصحفية يتطلب الاستقلال الفكرى والسياسى عن أى إطار أيديولوجى أو تنظيمى، بحيث يكون بمقدور الباحث الكتابة بحرية وبمنهج نقدى، فالقيود الحزبية والالتزام التنظيمى يخنقان القدرة على النقد والإبداع، ولا يعنى ذلك الوقوف على الحياد لأن البحث العلمى بالأساس موقف، والكتابة النافعة رؤية نقدية حتى ولو لم تعجب أغلبية الناس.
فضلت أن يكون قلمى مستقلا عن أى ارتباط تنظيمى ضيق، أو أيديولوجية جامدة، واستمر موقفى بعد الثورة، لكنى وجدت فى فكرة التيار الشعبى جديدا يستحق التأييد والدعم، لذلك شاركت فى مؤتمره الأول، لأن فكرته تلتقى مع قناعتى بقرب نهاية الأحزاب فى العالم وانبثاق الحركات الاجتماعية والسياسية. وهذا التحول هو أحد معالم مجتمع المعرفة، فلا قداسة لحزب أو أيديولوجية، والمواطنون على شبكة الإنترنت متساوون، لا توجد قيادة أو مركز وإنما التفاعل وتبادل الأدوار بين المواطنين هو الأصل.. لكن سيقال إن مصر لم تنجز الحداثة حتى نتكلم عن غياب الأحزاب فى مجتمع المعرفة أو مجتمع بعد الحداثة، وهذا صحيح.. لكن بعض عناصر مجتمع المعرفة فرضت نفسها على المجتمع المصرى وعلى تفاعلاته السياسية، بدليل دور الفيسبوك وتويتر فى الإعداد للثورة وتفجيرها والحفاظ على استمرارها.
أعتقد أن المستقبل للحركات الاجتماعية والسياسية وأن فشل الأحزاب المصرية قديمها وحديثها وتعثر أداء الإخوان - وربما انهيارها - يرجع أساسا لأنها لم تتغير وتستجيب لمتغيرات مجتمع الشبكة وتفاعلاتها التى تنتشر بين ملايين المصريين خاصة الشباب. أما الحركات الاجتماعية والسياسية الحديثة فتعتمد على الشبكة، وعلى مزيج من العمل الفعلى والافتراضى، البعيد عن الأطر الأيديولوجية الضيقة التى تدعى المعرفة اليقينية، أو الأشكال التنظيمية الهرمية الجامدة التى تستند إلى طبقة أو فئة معينة، بل إن كل حركة تقوم على أفكار ومطالب تجمع شرائح وفئات اجتماعية متنوعة، ونقابات وأحزابا وأفرادا، من أجل تحقيق أهداف محددة، وتنتهى الحركة بعد ذلك.. وهنا اختلافها العميق مع فكرة الجبهة التى تعمل وفق برنامج سياسى وقد تستمر لسنوات طويلة، قد تصل خلالها للحكم وتستمر فى الحكم.
الحركات الاجتماعية والسياسية لا تهدف للوصول للحكم، وإنما تحقق مطالب معينة أو تدعم مرشحا رئاسيا أو برلمانيا لأنه سيحقق أهدافها، ولا يعنى ذلك أنها مجرد جماعات ضغط بل إنها آليات جديدة للعمل السياسى المرن والبعيد عن الجمود التنظيمى، وبالتالى فإن من حق شركاء الحركة الاجتماعية أو السياسية الخروج منها أو التمرد عليها وتشكيل حركة جديدة أو حزب، أى أننا إزاء سيولة تنظيمية وفكرية وسياسية، فهل سيدرك القائمون على التيار الشعبى المصرى هذه الحقائق ويعملون بها؟ وهنا أذكرهم وأذكر نفسى بضرورة تحديد أهدافهم بوضوح، وتحديد مجالات العمل بين الناس وأساليبه، فالتجربة جديدة علينا وتتطلب عملا متواصلا وصيغا مبتكرة للتواصل مع المواطنين، وهنا لابد من دراسة الحركات الاجتماعية والسياسية الناجحة فى أمريكا اللاتينية والتعلم منها، لأن ظروفها متشابهة معنا فى كثير من الجوانب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد سلامه
اتمنى نجاح التيار الشعبي
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف محمد
التيار الشعبي
انا مع التيار الشعبي واؤيده بقوة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو هدى ورجمه
شهاده وفاه
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
اتمني النجاح لهذا التيار
بالرغم من عدم انضمامي له الا انني اتمني النجاح له