"لا يُفسد للود قضية" أن نطلب من السلطات السعودية الإعلان عن حقيقة الاتهامات الموجهة للمواطنة المصرية "نجلاء وفا" المحكوم عليها بالسجن خمس سنوات وخمسمائة جلدة، فلو كان مثل هذا الحكم صادراً على مواطن سعودى فى مصر، فلن تتركته حكومته ولا سفارته ولن يهدأ لهما بال حتى يطمئنا على سلامة إجراءات المحاكمة وعدالة الحكم، وهذا واجب إجبارى على الدولة تجاه مواطنيها، والمفترض أن تفعل مصر نفس الشىء ولا تفرط فيه.
"لا يُفسد للود قضية"، لأن عشرات الآلاف من المصريين يعيشون فى السعودية عيشة كريمة، ويعملون مع أشقائهم السعوديين وينعشون بتحويلاتهم أسرهم وذويهم فى مصر، علاوة على ملايين المصريين الذين يذهبون للأراضى القدسة للحج والعمرة، وتظل قلوبهم تهفو لزيارة بيت الكعبة المشرفة والرسول الكريم، مما يؤكد أن العلاقات بين البلدين والشعبين محفورة فى القلوب والأرواح، وأن أى مشكلة طارئة يجب احتواؤها بروح المحبة والأخوة والإسلام.
بناء على ذلك أقول:
( 1 ) أن الظروف المحيطة بالحكم الصادر على المواطنة المصرية يشوبة الكثير من العموض وعدم الوضوح، فهل هى إرتكبت جريمة عدم سداد شيكات بنكية لإحدى الأميرات السعوديات، أم يضاف لذلك الرغبة فى الانتقام منها لأنها تنازعت مع شخصية مهمة لها جاه وسلطان، فسيقت إلى المحاكمة دون أن تتاح لها فرصة الدفاع العادل وإثبات البراءة، ولماذا ظلت قيد السجن الإجبارى لمدة عام ونصف قبل المحاكمة، حسب ما نُشر عن جمعيات حقوق الإنسان؟
( 2 ) لماذا أُضيفت عقوبة الجلد 500 جلدة بهذا الشكل المُشدد، مع أن عقوبة الزنا - والعياذ بالله - 100 جلدة فقط، أليس السجن خمس سنوات عقوبة كافية وتحقق الردع المطلوب.. وهل هى عقوبة إلزامية فى القضاء السعودى فى مثل هذه الجرائم، أم لأن المتهمة المصرية تجرأت ودخلت بقدميها فى الممنوع فنالت أشد العقاب؟
( 3 ) تزداد علامات الاستفهام بالتصريح شديد الغرابة لأحد الدبلوماسيين المصريين فى السفارة المصرية الذى أشار فيه إلى أن عقوبة الجلد غير مؤلمة ولا تترك أثاراً أو علامات على الجسد، ويتم تنفيذها بسياط مطاطية خفيفة، ولا يتم نزع الملابس عن المحكوم عليه.. أى أن الهدف هو الإفراط فى الإذلال والحط من الكرامة والإهانة، وهى عقوبة أخرى أشد فداحة من السجن المُشدد.
( 4 ) ما مصيرها بعد انتهاء العقوبة، وهل يسمح لها بالعودة إلى وطنها أم تظل ممنوعة من العودة حتى الوفاء بالدين الذى فى رقبتها، وهل يمكن أن يشملها عفو قضائى اكتفاء بالمدة التى قضتها فى السجن والجلد، لإغلاق هذا الملف المؤلم الذى يؤرق أهلها وذويها، خصوصاً وأنها تنتمى لأسرة محترمة ووالدها أستاذ مرموق فى طب العظام، وليس متصوراً أن تكون محتالة أو نصابة، ولكن قد تكون الظروف كانت أقوى منها، وسببت لها هذا التعثر؟
"لا يُفسد للود قضية" أن تعلو روح القانون وسماحته على النصوص المُشددة، وأن تكون العدالة الرحيمة هى المظلة التى يحتمى تحتها الجميع، فى بلد يعتبره المصريون وطنهم الثانى، وأن نطمئن لعدم أخذها بنفوذ أو وشاية أو مجاملة لصاحبة سمو، وأن مثل هذه المشاكل هى الاستثناء وليس القاعدة، ويمكن احتوائها بمخزون العلاقات الطيبة التى تحكم البلدين والشعبين، بعيداً عن التشنج والتعصب والمتاجرة بالشعارات التى "تُفسد الود وتضيع القضية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة