كرم جبر

الشهيدة !

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012 06:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كانت تجلس أمام أحد المساجد بمدينة البدرشين بعد صلاة العشاء، تمسك المصحف الشريف فى إحدى يديها، وفى اليد الأخرى كيس بلاستيك فيه مناديل ورقية تكسب من بيعها قروش قليلة تعينها على الحياة المرة، وتقرأ سورة البقرة "إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ"، صدق الله العظيم.. وفجأة انشقت الأرض عن ثلاثة شياطين لم تعرف قلوبهم معنى الرحمة، وصاح أحدهم "قومى يابت معانا".

أخذوها بالقوة والسكاكين مغروسة فى جسدها إذا فتحت فمها أو استغاثت، وأخرست الصدمة لسانها فلم تقو على الصراخ أو حتى الكلام، ودموعها تنساب قطرات من نار خوفاً من المصير المجهول، وهى تتمتم "حسبى الله ونعم الوكيل"، وعندما وصلوا بها إلى مكان مهجور على ترعة الجيزاوية، أخذت تستعطفهم وتستحلفهم بالله أن يتركوها ولا يدنسوا جسدها وأن يتركوها لحال سبيلها، ولكن الشيطان أعمى قلوبهم وعيونهم وآذانهم، فلم يروا غير شهواتهم الدنيئة وغرائزهم الحقيرة.

طرحوها أرضا وهى تئن كالشاه الذبيحة، وهم يرقصون حولها مثل عبدة الشيطان، ومن عيونهم وأفواههم تخرج رائحة الخمر والمخدرات وألسنة اللهب والدخان، وأخذوا يمزقون ملابسها وهى تصرخ وتتلوى وتحاول أن تستر جسدها ببعض العشب والتراب، وكلما زاد صراخها ركلوها بأحذيتهم الثقيلة، ويقول أحد المجرمين أمام النيابة" كانت تقرأ آية الكرسى" والمصحف بجوارها على الأرض بجانب كيس المناديل الورقية، الذى تكسب منه لقمة العيش المرة فى زمن أكثر قسوة من هؤلاء الذئاب المسعورة.

خارت قواها من فرط الضرب والركل، وكانت آخر كلمات نطقت بها" لا إله إلا الله محمد رسول الله" وفقدت الوعى، وهم الذئاب يطفئون شهواتهم فى جسد أقرب إلى الموت من الحياة، وسط ظلام الليل وحشرجة الموت ولعنة السماء ودماء طاهرة تنزف من جسد مكوم على الأرض، لا يتحرك ولا ينطق ولا تنبض فيه حياة، وأكملوا دون شفقة أو رحمة، وكأنه مشهد فى الغابة لوحوش ضارية، تنهش وليمة ضعيفة.

"كنا مغيبين وشاربين حشيش ومخدرات والبنت كانت تقرأ القرآن".. هكذا اعترفوا بدم بارد أمام النيابة.. ثم أحضروا شومة وهشموا بها رأسها تماماً والدماء تسيل العظام والمخ يتناثر، وتصوروا أن هذه هى الوسيلة المُثلى لإخفاء معالم الجريمة والإفلات من العقاب، ولكن عدالة السماء كانت لهم بالمرصاد، وقبضت عليهم الشرطة لتقديمهم إلى المحاكمة، وذهبوا إلى نفس موقع الجريمة لتمثيل الحادث، وسط سيول من اللعنات والدموع للأهالى الذين حضروا لمشاهدة فصول المأساه اللا إنسانية التى تعرضت لها فتاة بريئة، حاولت أن تكسب لقمة عيشها بالحلال، وأوقعها حظها العاثر بين أنياب كلاب مسعورة.

ستظل روحها معلقة بين السماء والأرض، حتى تعلق رءوسهم فى المشنقة، وتتخلص البشرية من أمثالهم وليكونوا عبرة وعظة لغيرهم، ولكن الخطر سيظل شبحاً مخيفاً يهدد غيرها وغيرها، إذا لم يتحرك المجتمع بكل عناصر قوته ليعيد إلى أرض الواقع ملامح الوطن الآمن، الذى يعيش تحت راية النخوة والمروءة والرحمة والشهامة، فكيف تُختطف فتاة من وسط المدينة بعد صلاة العشاء، دون أن يهب لنجدتها سائر الناس، ألم يرتابوا فى منظرها وهى تمضى معهم فى خوف وذعر حتى لو لم تنطق، أم أنها السلبية واللامبالاة؟

اقرءوا الفاتحة على روحها وندعوا الله لها بالرحمة والمغفرة، فلم تمت مرة واحدة بل عشرات ومئات المرات، قُتلت وهى تقرأ القرآن وتتوسل للقتلة أن يتركوها.. ولا تأخذكم بهم رحمة أو شفقة لا أنهم حرموا إنسانة ضعيفة من الرحمة والشفقة، ويجب أن تنزل العدالة السريعة فوق رءوسهم كالصاعقة، حتى تصعد روحها إلى السماء آمنة مطمئنة، بعد أن فقدت الأمان والطمأنينة فى الدنيا التى ظلمتها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة