حسنا.. أنت تسألنى وتسأل غيرى عن طبيعة رد الفعل المتحضر الذى يجب أن يلجأ إليه المسلم بدلا من قتل سفراء أو اقتحام السفارات أو ترويع الآمنين؟!، والجواب هنا سهل وبسيط ويمكنك أن تحصل عليه من كتب السيرة لو كنت تقرأها على سبيل الاهتمام بالنبى عليه الصلاة والسلام كما تدعى، ولكن سآتيك به فى السطور القادمة عن تجربة تتشابه تماما مع أجواء غضب الفيلم المسىء التى نعيشها الآن..
هل تتذكر أزمة إنشاء مسجد فى نيويورك ودعوة حرق القرآن التى شغلتنا فى 2010 وتحديدا فى 11 سبتمبر أى موعد الاحتفال بذكرى انهيار البرجين، هل تتذكر كيف هددنا وتظاهرنا وتوعدنا وحرقنا أعلاما، ثم خمدت جذوة الحماس حينما انتهى الجميع من استغلالنا سياسيا وإعلاميا.. فى نفس هذا التوقيت كنت محظوظا بتواجدى فى نيويورك وداخل منطقة الجراوند زيرو أو منطقة انهيار البرجين..
تابعت بتركيز ما تناولته الصحف والمواقع والفضائيات العربية بخصوص الأمر وأدركت كيف تتنازل عن دورها الحقيقى فى نقل الحقائق وتتحول إلى جزء من القطيع السائر مع جموع التطرف خوفا من تهمة التخاذل.. ووجدت خطاً عاماً ينقل للناس فى بيوتها صورة واحدة تقول إن الأمريكان هبوا عن بكرة أبيهم لحرق القرآن وسب الإسلام والتظاهر ضد المسجد، خط إعلامى واحد يداعب مشاعر المسلمين والعرب ويصور لهم الإسلام كأنه جثة ممددة ينهشها الأمريكان فى منطقة الجراوند زيرو مثلما يحدث الآن بالضبط!!
راجعت شريط ذاكرتى وعدت للصور التى التقطتها ودققت فيما كتبته من وقائع وسجلته من أحداث طوال ساعات تواجدى فى منطقة انهيار البرجين ولم أجد لأغلب ما قرأته فى مواقع الصحف العربية والمصرية أصلاً أو وجوداً، حتى تلك الظواهر التى ضخمها الإعلام العربى مثل دعوة جونز لحرق القرآن وقيام القس المجهول ومعه 7 أفراد بحرق أجزاء من المصحف فى إحدى مناطق ولاية تكساس لم تجد أى رد فعل هنا فى نيويورك اللهم إلا الاستياء من هذه التصرفات ومن المحطات الأمريكية التى أعطت هذه القلة المجهولة شهرة بلا حساب وأهمية بلا سبب.. هكذا أخبرنى عمدة نيويورك وقتها «مايكل بلومبيرج» قائلا بوضوح إن مسألة حرق القرآن هى خطأ وسائل الإعلام التى ضخمت من دعوة قس غير معروف لم يهتم بها سوى عدد من الأشخاص لا يمكن عدهم على أصابع اليد.
إذا كانت وسائل الإعلام العربية قد نقلت لكم تحذيرات من تواجد المسلمين فى المنطقة والمظاهرات التى ترفض بناء المسجد، فأنا شاهدت الجانب الآخر من الصورة وجلست بجوار الشيخ يوسف ذلك الكهل المسلم صاحب الأصول الإفريقية الذى افترش الأرض فى منطقة «الجراوند زيرو» وفتح مصحفه وأخذ يتلو منه ما تيسر من آيات الذكر الحكيم وقرأ نصف القرآن تقريبا من الصباح حتى وقت المغرب رافعا بجواره لافتة تطلب من لديه أى استفسار أو سؤال عن القرآن أن يسأله بلا تردد مع وعد بأن يجيب بكل صدق، وشاهدت شبابا زى الورد طبع نسخاً من كتيب صغير يحمل تفسيرات وشروحاً لبعض الآيات فى القرآن ويوزعها على الأمريكان فى الشوارع تحت شعار «اقرأ أولاً ثم قرر إذا كنت ستشارك فى الحرق أم لا» ومثلما رأيت الشيخ يوسف ورأيت هؤلاء الشباب رأيت أصواتا وهتافات صادرة من أمريكان مسلمين وغير مسلمين تؤيد إقامة المسجد وتعتبره حقا مشروعا ومن بينهم بعض أهالى ضحايا الحادى عشر من سبتمبر والذين أسسوا رابطة اسمها «عائلات ضحايا 11سبتمبر من أجل مستقبل أكثر سلاماً»، وقبل أن أرى هذا وذاك كنت قد سمعت عمدة نيويورك وأغلب أعضاء البلدية وهم يعودون للتأكيد بكل شجاعة على تأييدهم لإقامة المسجد لأن نيويورك لن تفتخر يوماً ما أنها منعت أحدا من العبادة أياً كان دينه.. كل هذا وأكثر منه كان موجوداً عزيزى القارئ ولكن الصحف العربية والمصرية اكتفت بحدوتة القس جونز والقس فيلبس والمتطرف الهولندى فيلدرز مثلما تكتفى الآن بالتركيز على موريس صادق وزقلمة متجاهلين أى إشارة لتحركات العقل وأصوات المنطق..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة