حتى لو أحضروا ضباطا من الملائكة لتنفيذ أحكام الطوارئ، فسوف يظل هذا القانون يثير المخاوف والهواجس، خصوصاً أن الشارع مازال يتعرض لتوابع الهزات التى أعقبت الثورة، من اعتصامات واحتجاجات ووقفات ومسيرات.. فما هو الخيط الأبيض الذى يفصل بين هذه الأعمال غير المجرمة، والبلطجة المجرمة؟، ولا تقولوا إن الأمر واضح وضوح الشمس، فلو سارت مظاهرة سلمية فى شارع قصر العينى- مثلاً- فهى بالضرورة سوف تقطع الطريق، وتمنع مرور السيارات، وهى بالضرورة تنطبق عليها أحكام الطوارئ «قطع الطريق»، كما أن المظاهرات تبدأ فى الغالب سلمية، وقد تنتهى غير سلمية.. فهل يتم اعتقال المتظاهرين أم يترك تقييم الموقف للقيادات الأمنية، حسب ظروفها وأهوائها والتعليمات الصادرة لها من قياداتها الأعلى؟
ولا يمكن تجميل أحكام الطوارئ بالحديث عن الضمانات، مثل السماح للمعتقل وذويه بالطعن أو إخضاعها لرقابة القضاء، لأنها فى النهاية تشيع أجواء من عدم الثقة لمجرد التلويح بهذه العصا الغليظة حتى لو لم يتم استخدامها، ولا ننسى أن النظام السابق كان يقسم بأغلظ الأيمان أنه لن يتم استخدامها فى تقييد الحريات، أو ضد صاحب رأى أو فكر، وأن تطبيقها سيقتصر على البلطجة والإرهاب، ورغم ذلك حدثت تجاوزات وانحرافات، ولم تنجح الضمانات فى الحد منها.
فى الوقت نفسه، يجب أن نعترف بأن الشرطة من حقها أن تمتلك السلاح الذى يمكّنها من مكافحة البلطجة وأعمال العنف والشغب التى تجتاح الشارع المصرى بشكل غير مسبوق، وهنا لن أردد نفس الكلام الذى كان يقال فى الماضى بأن القوانين العادية فيها ما يكفى، ولا حاجة لقانون استثنائى جديد، ولكنى أطرح سؤلاً: هل طبقت أجهزة الأمن ما لديها من قوانين وسلطات وصلاحيات فى مطاردة البلطجية والمجرمين الذين يمرحون فى الأرض، وينقصها فقط قانون الطوارئ، أم أن القضية الأهم هى إعادة بناء جهاز الأمن من الداخل، وتدريبه وتسليحه على أعلى مستوى، ليكون قادراً على استعادة الأمن بدون طوارئ؟
المعادلة- إذن- صعبة ومعقدة، كيف نقضى على البلطجة التى تهدد المواطنين، دون أن تتحول الطوارئ إلى قيد ثقيل على الحريات العامة؟، وهل تستطيع المنظومة السياسية والأمنية والمجتمعية أن تهضم الطوارئ دون تجاوزات أو انحرافات؟، وهل تستطيع جمعيات حقوق الإنسان بوضعها الحالى أن تمارس رقابة جدية بريئة وشفافة أم تقتصر تقاريرها على تنفيذ توجهات الجهات الأجنبية المانحة؟، وهل ستكون الرقابة القضائية سابقة أم لاحقة؟.
أريد أن أقول بوضوح:
(1) إن الضمانات مهما كانت فلن تضمن وحدها الحد من مخاطر الطوارئ، (2) إن الأثر المعنوى للطوارئ هو الأكثر خطورة لأنها تخلق مناخا يوحى بعدم الاستقرار، (3) لابد من دراسة التأثير النفسى للطوارئ سلباً وإيجاباً على الاستثمار والمستثمرين، (4) هل تستطيع الحكومات التى تعمل تحت مظلة الطوارئ أن تستغنى عنها بزوال أسبابها أم ستظل تتعلل باستمرار الخطر؟.. لا أحد يريد أن يُجرد الأمن من أسلحته.. ولكن الحرية خط أحمر لا يجب الاقتراب منه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة