اتهامات عصام العريان لليسار المصرى بتلقى التمويلات من الخارج أشبه بالحروب الحجرية بين صاحب بيت زجاجى، وأصحاب بيوت فولاذية.
وبصرف النظر عن التاريخ النضالى لليسار المصرى الذى جمعه «العريان» فى حزمة واحدة، وألقى بها فى أتون اتهامات العمالة والتمويل، فإن التصريحات أثارت العديد من ردود الأفعال فى الأوساط السياسية عامة والأوساط اليسارية خاصة، وانقسمت ردود الأفعال إلى قسمين، الأول هم أصحاب الأردية الدبلوماسية والممارسين للعمل السياسى الرسمى ممن يتعاملون مع صاحب الاتهام باعتباره جزءا من السلطة الحاكمة الجديدة، فانتهجوا نهج موسى مع فرعون والتزامه بأوامر الله فى مواجهة الحاكم «اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا..»، فجات ردود أفعالهم على تصريحات «العريان» فى شكل لين، ومحتوى دفاع منطقى به من التأدب والتهذب أكثر مما تحمله من اعتراض واحتجاج. أما القسم الثانى فهو القسم الشعبوى من أصحاب الأسقف المرتفعة الذين لا ينتهجون بحكم حرية حركتهم وسقفهم المتسع نهج سيدنا موسى وأصحاب القول اللين، وجاء رد فعل هؤلاء ورفضهم اتهامات «العريان» على صفحات التواصل الاجتماعى أكثر عنفاً وصراحة ووضوحاً، واتسمت بتكتيك هجومى على عكس تكتيك دفاع القسم الأول.
المحور الأساسى الذى دارت حوله اعتراضات القسم الثانى هو ما يحاط بجماعة الإخوان المسلمين من اتهامات، ليس فقط بالتمويل الخارجى، وإنما أيضا فى الاستثمار المالى الطفيلى والفاسد وغسيل الأموال مما أعطاهم قوة اقتصادية هائلة استطاعوا بها الدخول فى منافسات غير شريفة مع أنظمة غير شريفة، وهو ما يفسر قوتهم فى انتخابات 2005 فى مواجهة نظام فاسد قمعى شرس، حيث رصدت الجماعة وتنظيمها الدولى 150 مليون خلال هذه الانتخابات ليفوزوا بـ88 مقعدا، وبالطبع كانت الجماعة فى هذه الفترة صاحبة مصلحة فى ترسيخ النظام، وهذا ما يفسر تصريحاتهم وتصريحات قيادتهم فى ذات الفترة بمباركة وتأييد الحاكم «مبارك».
وحملت اعتراضات القسم الثانى الهجومية إشارات واضحة لأنشطة الجماعة وتنظيمها الدولى فى بنوك جزر الباهاما، وأنشطتهم المالية غير الشرعية من أجل خلق قوة اقتصادية ينافسون بها على السلطة بشكل فوقى.
ومن أشهر التقارير حول مصادر تمويل الإخوان، والتى أشار إليها معارضو تصريحات «العريان» على صفحات التواصل الاجتماعى تقرير الصحفى الأمريكى «فرح دوجلاس» المدير السابق لمكتب صحيفة «واشنطن بوست» فى غرب أفريقيا، حيث أشار «دوجلاس» فى تقريره إلى أن الإخوان المسلمين نجحوا بالتوازى مع بداية ظاهرة البنوك الإسلامية الحديثة- التى عرفها العالم فى بداية الثمانينيات من القرن الماضى- فى بناء هيكل متين من شركات «الأوف شور» التى أصبحت جزءا لا يتجزأ من قدرتها على إخفاء ونقل الأمول حول العالم، فهى شركات يتم تأسيسها فى دولة أخرى غير الدولة التى تمارس فيها نشاطها، وتتمتع هذه الشركات بغموض كبير، يجعلها بعيدة عن الرقابة، وهو ما جعلها تنجح حتى الآن فى لفت أنظار أجهزة المخابرات، والمنظمات القانونية التى تطارد هياكل تمويل الإرهاب فى كل أنحاء العالم.
ويقول «دوجلاس»: إن الفرضية الأساسية للجوء الإخوان المسلمين لشركات «الأوف شور»، هى الحاجة لبناء شبكة فى الخفاء، بعيداً عن أنظار الذين لا يتفقون معها فى الأهداف الرئيسية، وعلى رأسها السعى لتأسيس الخلافة الإسلامية، ولتحقيق هذه الغاية - حسبما يقول دوجلاس- «اعتمدت استراتيجية الجماعة على أعمدة من السرية والخداع والخفاء والعنف والانتهازية».
ورود الأفعال والمعلومات حول التمويلات والمصادر المالية غير المشروعة للإخوان، والتى أوردها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعى فى الرد على اتهامات «العريان» كثيرة، ومن الصعب تناولها فى تقرير واحد، إلا أن من ملامحها ونتائجها قيام «شهبندر» الجماعة وتاجرها الأول «خيرت الشاطر» بتمويل الجماعة بمبلغ 50 مليون جنيه لخوض الانتخابات بعد الثورة، وقيام سعد الحسينى، عضو مكتب الإرشاد ووزير خارجية الجماعة، بعقد اجتماعات مع قيادات التنظيم الدولى لبحث مضاعفة المبلغ المطلوب لدعم مرشحى الجماعة ليصل إلى 800 مليون جنيه، وهو الضغط المالى الذى ضغطت به الجماعة على مجتمع فقير محروم ليحصلوا على أصواتهم.
أما عن ردود أفعال القسم الأول حول تصريحات «العريان»، وهو القسم الدبلوماسى صاحب القول اللين فقد تباينت ما بين اتهامات بالضعف والتعبير عن أزمة فى جماعة الإخوان، مثلما أشار حسين عبدالرازق، عضو المجلس الرئاسى لحزب التجمع، والذى رأى فى هذه التصريحات تكراراً لأسلوب الحزب الوطنى السابق، والاتهامات الكاذبة التى كانت تروجها أجهزة المخابرات الأمريكية حول اليسار، وما بين دفاع الدكتور مصطفى النجار، عضو مجلس الشعب السابق، عن اليسار ووصف مواقفة بالوطنية.
أما عبدالغفار شكر، وكيل مؤسسى حزب التحالف الشعبى والقيادى السابق بحزب التجمع، فجاء قوله اللين من خلال التعبير عن اندهاشه من تصريحات «العريان» الذى احتك بكثير من شخصيات اليسار المصرى، فيما استنكر الدكتور السعيد كامل، رئيس حزب الجبهة، تصريحات الدكتور «العريان» واعتبرها تدنيا فى أسلوب الحوار.
وما بين ردود الأفعال الهادئة والمنفعلة هناك مشهد يظهر تدريجياً على الساحة السياسية لمواجهات قد تكون غير سلمية بين الجماعة الوريثة للسلطة، وفئات الشعب المختلفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة