أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن كانت على علم مسبقا بقرارات الرئيس محمد مرسى باستبعاد المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، والحقيقة أن مثل هذا التصريح ليس غريبا، فواشنطن تعلم كل صغيرة وكبيرة تحدث فى مصر، والأمور عند الأمريكيين ليست مجرد علم فقط، بل من المؤكد أن الإخوان المسلمين لن يتخذوا أى قرار هام بدون علم وموافقة واشنطن، ومن يتصور غير ذلك يجهل تماما حقيقة تنظيم الإخوان المسلمين وتكوينه وانتماءاته وأهدافه، وحجم هذا التنظيم محليا ودوليا، و القضية التى تقلقنا هنا هى "التنظيم العالمى للإخوان" هذه القضية التى لا يعيرها أحد اهتماما الآن، وربما لا يعرفها الكثيرون، ولكن هناك حقائق لا جدال حولها، ومن أهمها أن "الإخوان المسلمين" تنظيم أممى، بمعنى أنه تنظيم دولى، وهذه الحقيقة معروفة ومثبتة بالوثائق والكلام الموثق من قادة الإخوان فى عدة دول عربية، ومن يريد الاطلاع عليها بوضوح واختصار فليشاهد على موقع "يوتيوب" حديث إبراهيم المصرى القيادى بجماعة الإخوان فى لبنان، وغيره الكثيرون يتحدثون عن هذا التنظيم وتأسيسه ونشاطه، والغريب المثير للقلق أن الإخوان يحاولون إخفاء هذه الحقيقة الآن بالتحديد بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، خاصة مع ظهور طموحاتهم الواضحة للاستحواذ على السلطة فى عدة دول عربية، إذ لا يصح أن يحكم بلدا تنظيم ولاؤه لجهات خارجية.
وليس صحيحا ما يروج له البعض من الإخوان من أن الجماعة لها نشاط إسلامى دولى منذ زمن مؤسسها حسن البنا فى مصر، حيث لم يظهر نشاط الجماعة الدولى إلا بعد اغتيال البنا بأكثر من عشرة أعوام، ويمكن ربط ظهوره بتأجج الصراع بين موسكو وواشنطن فى زمن الحرب الباردة، هذا الصراع الذى كان السبب فى خلق ظاهرة "الإسلام السياسى"، ولكن هذا موضوعا آخر كبيرا لا مجال له هنا.
يعتبر عام 1963 هو بداية تأسيس النظيم العالمى للإخوان أو بداية ظهوره على الساحة العربية، وكان أول اجتماع للتنظيم فى بيروت عام 1964، وكان يضم ممثلين لجماعات إسلامية "سياسية" من عدة أقطار عربية، لم تكن جميعها آنذاك تحمل اسم "الإخوان المسلمين"، بل أسماء مختلفة لتنظيمات "إسلامية سياسية"، وكان التنظيم يضم ممثلين من معظم الدول العربية، ومن دول الخليج العربى كانتا السعودية والكويت فقط "آنذاك" هما الممثلتين فيه، وتولى رئاسة اللجنة السياسية للتنظيم عام 1979 المرشد لعام للإخوان فى مصر آنذاك "عمر التلمسانى"، وكانت اجتماعات التنظيم تتم فى مدينة "هايدلبرج" الألمانية و"لوجانو" فى سويسرا. وفى التسعينات تكرست قيادة إخوان مصر للتنظيم الدولى، وأصبح المرشد المصرى هو الرئيس الدائم للتنظيم الدولى، والمركز الرئيسى لمجلس شورى التنظيم الدولى للإخوان فى لندن، وربما يكون قد انتقل إلى مكان آخر فى العالم العربى.
هذا إيجاز مختصر وسريع لفكرة تأسيس وتطور "التنظيم العالمى للإخوان المسلمين" والمعلومات كلها موجودة على الإنترنت لمن يريد المزيد، لكن الباحث سيواجه مشكلة فى نقص المعلومات حول نقاط هامة، منها مثلا، من أين أتت فكرة تشكيل التنظيم العالمى للإخوان، ومن وراءها؟، وما هى الأهداف العامة للتنظيم وكيفية التنسيق بين نشاطه العالمى والقطرى؟، وبالطبع هناك تعتيم تام على سؤال "تمويل التنظيم"، ومقولة أنه تمويل ذاتى من اشتراكات وتبرعات الأعضاء، مقولة ساذجة لا تتناسب على الإطلاق مع تنظيم عالمى.
السؤال الهام هنا هو الولاء الوطنى، ما هى نسبة ولاء قادة وأعضاء التنظيم العالمى للإخوان لأوطانهم، علما بأن الساحة الدولية تحكمها قوى دولية من الدول الكبرى عالميا وإقليميا، ولا يمكن لأى تنظيم عالمى أن يعمل على الساحة الدولية بدون موافقة وإشراف هذه القوى، أو على الأقل رقابتها، مجتمعة أو منفردة، وبالتالى لا يمكن أن يعمل هذا التنظيم ضد مصالح هذه القوى الكبرى، وبمتابعة نشاط جماعة الإخوان على مدى العقود الأربعة الماضية، يلاحظ بوضوح الدعم السياسى الذى يتلقاه هذا التنظيم من واشنطن وجهات غربية وإقليمية أخرى، وكلها جهات صاحبة مصالح حيوية فى بلداننا العربية، ولا ننسى اعتراف هنرى كيسنجر بمشورته للسادات بإعادة الإخوان المسلمين للنشاط لمواجهة التيارات اليسارية، والسؤال هنا، ما هو دور تنظيم الإخوان المسلمين العالمى فى تحقيق مصالح القوى الخارجية ؟
ما نقوله ليس خيالا ولا فكر مؤامرة، بل هى حقائق ثابتة بالوثائق وبشهادات صوتية من قيادات التنظيم العالمى للإخوان موجودة على شبكة الإنترنت وفى متناول الجميع، ودعم واشنطن الواضح للإخوان المسلمين ومباركتهم لسيطرتهم على الحكم فى مصر وبلدان عربية أخرى، يكشف بوضوح ما هى القوة الخارجية الدولية التى تهيمن على التنظيم العالمى للإخوان المسلمين وتوجهه لخدمة مصالحها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة