وائل السمرى يكتب: الإمام محمود شلتوت.. لسان الحق ومحامى الإسلام.. أقنع علماء العالم بقدرة الشريعة على التطور فأدرجوها ضمن مصادر التشريع العالمى وكان يعتبر غير المسلمين «إخوة فى الإنسانية»
الجمعة، 10 أغسطس 2012 11:47 ص
الإمام محمود شلتوت
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄ لم يعترف بحد الردة ولا قتل الأسرى ولا أوصاف الدابة ولا رفع المسيح بجسده إلى السماء ودعا إلى تطهير كتب السيرة من الإسرائيليات
◄ أحل أخذ القروض من البنوك والصلاة على مذهب الشيعة الإمامية الجعفرية وساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات والعقوبات
أقنع علماء العالم بقدرة الشريعة على التطور فأدرجوها ضمن مصادر التشريع العالمى وكان يعتبر غير المسلمين «إخوة فى الإنسانية».. لم يعترف بحد الردة ولا قتل الأسرى ولا أوصاف الدابة ولا رفع المسيح بجسده إلى السماء ودعا إلى تطهير كتب السيرة من الإسرائيليات ..أحل أخذ القروض من البنوك والصلاة على مذهب الشيعة الإمامية الجعفرية وساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات والعقوبات
هل سمعت يوما أحد زعماء تيار الإسلام السياسى الذين يقولون إنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية وهو يرد على خصومه من السياسيين ويقول إن الشريعة الإسلامية معتمدة عالميا كمصدر من مصادر التشريع العالمى منذ العام 1937 وأن العالم أجمع اعترف بصلاحيتها للتطور كما قرر أن تكون اللغة العربية التى هى لغة الشريعة الإسلامية إحدى لغات المؤتمرات التشريعية؟.
إليك قصة هذا الفتح المبين للدين الإسلامى والتشريع الإسلامى، وإليك قصة بطله الذى رفع اسم الإسلام عاليا فصار حقا مصدرا من مصادر التشريع العالمى، لكن قبل أن تقرأ حاول أن تتأمل جيدا كيف أقنع هذا «البطل» العالم بسماحته وتفهمه، وحاول أيضا أن تعرف الفارق الكبير بين «الأصل» الذى حارب واجتهد وفكر فدافع عن الإسلام فى الداخل والخارج فنال احترام العالم فضلا عن استحسانه، وبين «الفرع» الذى يختلف عن الأصل تمام الاختلاف ويكاد يكفره لكنه مع ذلك لا يتورع عن القفز على منجزات «الأصل».
كان هناك مؤتمر عالمى فى مدينة لاهاى بهولندا دعى إليه المشرعون والقانونيون من كل أنحاء العالم، ولما كان الأزهر يتمتع وقتها بمكانة آخذة فى العلو دعى الأزهر كممثل عن العالم الإسلامى إلى هذا المؤتمر، فوفق الله القائمين على الأزهر فى إرسال الباحث العالم محمود شلتوت إلى هذا المؤتمر، وقد كانت مهمته وقتها شاقة مجهدة، فمعظم الحاضرين لا يكادون يعرفون شيئا عن الإسلام، ومن يعرف شيئا عنه يتخذ موقفا سلبيا منه تحت تأثير الدعاوى التى تقول إن الإسلام دين التقليد والانغلاق، فوقف الإمام محمود شلتوت وسط هذه الجموع الكثيفة المتجهمة المتربصة وقدم بحثه التشريعى الذى كان يحمل عنوان «المسؤولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية» قال فيه نصوص الفقهاء فى ما يسمى «الضمان والتعويض» واستشهد بآيات القرآن ونصوص السنة التى تدعم هذا المبدأ وتحدد مسؤوليته، وامتد بها ليشمل مسؤولية الطبيب عن مريضه ومسؤولية من يقصر فى إغاثة الملهوف فى الإسلام، ومسؤولية الحيوان حين يتلف زرعا مملوكا لأحد غير صاحبه ومسؤولية المسلم أمام إتلاف محترزات غيره، وأخذ يشرح المراد بقول الفقهاء حقوق الله وحقوق العباد، كما استفاض فى شرح معنى العقد القهرى الذى تم توقيعه بعد غصب، وامتد البحث إلى المسؤولية الجنائية عن الحدود فى الإسلام موضحا بنصوص الكتاب والسنة وتراجم خبرة الفقهاء أن الشريعة الإسلامية لم يقيد الفقهاء بعد أصولها الكلية بخطة معينة فى البحث بل فوضت لهم الرأى والاعتماد على ما يقدرون من مصالح وحقوق وواجبات فى العصور المختلفة والبلدان المتباينة» ولما بهر الإمام محمود شلتوت أكبر علماء القانون فى العالم بمدى قابلية الشريعة الإسلامية للتطوير وكيف تعامل معها الفقهاء الأوائل بمرونة ويسر محافظين على الكليات وغير غارقين فى التفاصيل أقروا الاعتراف بالشريعة الإسلامية كأحد مصادر التشريع العالمى، واعتبروها إرثا قانونيا عالميا لا تخص المسلمين وحدهم وإنما تخص العالم أجمع باعتبارها شاهدة على تطور التفكير القانونى لدى البشر وقابلة للتجاوب المنضبط مع متغيرات العصر ومتطلباته.
بطل هذه القصة وغيرها كثير من قصص الدفاع عن الإسلام والمسلمين هو الشيخ الإمام معلم المصلحين محمود شلتوت «1893 / 1963 م» الذى يعد أحد أهم شيوخ الأزهر عبر تاريخه وأحد أهم باعثى نهضته، وأحد أكبر مقاومى موجات الاستشراق وأحد أهم قادة الإسلام الروحى التاريخيين الذين لا يقبلون أن يتدخل أحد فيما بين العالم وعلمه أو فيما بين الإمام وسلطاته فقد حفظ له التاريخ مواقفه الحاسمة وسمعته الناصعة ويده البيضاء واعتزازه باستقلالية العالم التى لا يقبل أن ينازعه فيها أحد، فبخلاف مواقفه الوطنية الكبيرة فقد عمل الشيخ منذ أيامه الأولى بالأزهر على تطويره وتحديثه واستقلاله، وما كان يغضب إلا للعلم وما كان يثأر إلا للدين، كما حفظ التاريخ لنا استقالته الشهيرة من مشيخة الأزهر بعدما لاحظ تدخل الدولة فى شؤونه، ففى العالم 1963 قدم فضيلته استقالته من هذا المنصب العالى اعتراضا على قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإنشاء وزارة لشؤون الأزهر ورأى أن هذه الوزارة تحد من استقلالية هذا الجامع العريق وتحد من سلطاته، فقال فى نص الاستقالة «ليس أمامى إلا أن أضع استقالتى من مشيخة الأزهر بين يديكم بعد أن حيل بينى وبين القيام بأمانتها».
ولد الإمام فى محافظة البحيرة، والتحق بمعهد الإسكندرية الدينى بعد إتمام حفظه للقرآن الكريم، وهو المعهد الذى كان يحوى أكبر الأساتذة وأكثرهم علما وفقها فقد كان الشيخ الكبير محمد شاكر هو شيخ المعهد، وحينما اندلعت ثورة 1919 شارك فيها بكل قوة وناصر قضية المعتقلين السياسيين فيها وكان يقوم بمهمة جمع التبرعات للمعتقلين وأسرهم وزيارة أبنائهم وراء القضبان، وإمدادهم بما يحتاجونه من طعام وملبس ودعم معنوى ومادى، وقد كان بنفس الإمام شوق لاستقلال الوطن كما كان بداخله شوق لإصلاح الأزهر وهى الدعوة التى كانت تنطلق بقوة داخل جنبات هذا الجامع الجامعة، وبدأ بنفسه فلم يتقيد بالفقه الحنفى الذى درسه واتخذه مذهبا فى الدراسة وتعداه إلى ما دونه من مذاهب سواء كانت المذاهب الأربعة أم غيرها من المذهب الزيدى أو المذهب الظاهرى أو المذهب الإمامى، وعكف بصفة خاصة على آراء الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وتقديرا لنباهته اختير لتدريس مادة أصول الدين فى الأزهر الشريف بعد أقل من عشرة أعوام على تخرجه، ولأنه كان دائم المطالبة بالإصلاح فقد أثار ذلك استياء العديد من المشايخ وحتى تم فصله نهائيا على يد الأستاذ الأكبر محمد الأحمدى الظواهرى ثم رجع إليه ثانية مع تولى الإمام المراغى للمشيخة، حينما تولى الإمام شلتوت مشيخة الأزهر سنة 1958 أصدر قانون إصلاح الأزهر سنة 1961م. ودخلت فى عهده العلوم الحديثة إلى الأزهر، وأنشئت عدة كليات فيه وارتفعت مكانة شيخ الأزهر حتى لاقى من الجميع كل الإجلال، وكان يحترمه قادة العالم ويرسلون إليه الرسائل وقد أصدر الإمام العديد من الكتب المهمة فى المكتبة العربية أهمها فقه القرآن والسنة تفسير القرآن الكريم الأجزاء العشرة الأولى». ومقارنة المذاهب، والقرآن والقتال، الإسلام عقيدة وشريعة، من توجيهات الإسلام، والفتاوى.
سيرا على هدى المستبصرين الأوائل كان الإمام، منطلقا من يقينه بقداسة الدين الإسلامى وعظمته وسماحته، حيث لم يعرف عن الإمام أن حقد مرة أو غل، بل كان يعامل خصومه فى الفكر والرأى بأحسن مما يعامل غيرهم، فقد كان خلقه القرآن وصفته الإيمان، بل لا يبالغ الواحد إذا قال إنه لم يكن يضع فى اعتباره أن يكون مثلا للمسلمين والمؤمنين فقط وإنما كانت أخلاقه وكتاباته تدل على أنه كان يضع فى حسبانه أن يكون مثاليا عالميا إنسانيا فليست وظيفة شيخ الأزهر أن يكون قدوة لأهل دينه فحسب وإنما انتصاره الأكبر أن يكون قدوة حتى لمن يختلفون عنه فى الديانة، قادرا على مخاطبة الفطرة الطيبة أينما وجدت، وكان الإيمان فى هذا متسقا مع ذاته متجاوبا مع تعاليم الإسلام الحنيف، فقد كان يرى أن الإنسان بحاجة دائمة إلى الدين لأن الله فطره تتنازعه قوى الخير وقوى الشر، ووظيفة الإسلام أن يهدى الإنسان إلى اتباع قوى الخير بداخله فيكون الإسلام بذلك دين الفطرة حقا.
غير أن الإمام يفرق كثيرا بين أشكال التدين التى يتبعها الناس، فيمدح فى التدين الذى يراعى الله وتعاليمه وهداه، متبعا قول الله تعالى «اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء» وفى ذات الوقت يدين الإمام التدين الرمزى الذى يكتفى فيه المسلم بترديد الشهادتين مطلقا لروحه وعقله العنان فى كل شىء وليس له من مرشد إلا الهوى، بل يعتبر الإمام الإلحاد خيرا من هذا التدين الذى قد يغر ضعاف العقول، ويتشارك التدين الصورى الذى ينتهجه البعض الخطر مع التدين الرمزى، وهو ذلك الذى تتبعه طائفة تزعم أن الدين هو حركات الصلاة وتماوت الصيام وهمهمة التسابيح وغيرها من مظاهر خادعة لا تدل على قلب عامر ولا روح خاشعة فقد كان رحمه الله يوقن أن الإيمان هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل، فلا يحتاج الواحد أن يلجأ لبعض التصرفات المتشبهة بمسوح الإيمان، كما لا يحتاج إلى إضافة أشياء ليست من الإسلام فى متنه، وهو الشىء الذى يجده الواحد فى كتب التوحيد التى تقول إن من شروط الإيمان بجانب الإيمان بوجود الله وحدانيته والرسل واليوم الآخر مسائل أخرى مثل رؤية الله بالأبصار وزيادة صفات الله على الذات ومرتكب الكبيرة وما يكون آخر الزمان من ظهور المهدى والدجال والدابة والدخان ونزول عيسى، فقد كان الإمام يعتبر كل هذه الأشياء من الأشياء المضافة إلى الإسلام وأنها ليست ثابتة ثبوت اليقين، مؤكدا أن «التاريخ العلمى يدل على أن هذه المسائل جر إليها البحث فى العقائد حين تعددت الفرق وكثرت المذاهب الكلامية فكانت محل اجتهاد بين العلماء كل يرى رأيه فيها يدلى بحجته على ما يرى ملتمسا الوصول إلى ما يلائم العقيدة المتفق عليها فى نظره» مع هذا كان الإمام أبعد الناس عن تكفير مسلم، بل لا أبالغ إذا قلت إنه ما كان يكفر أحدا، فقد كان يقول إن من لا يؤمن بوجود الله أو لم يؤمن بوحدانيته أو لم يؤمن بتفرده بتدبير الكون أو لم يؤمن بالرسل أو الملائكة، أو غير هذا كله من الأمور الإيمانية اليقينية لم يكن فى نظر الإمام «كافرا» وإنما فقط يكون «غير مسلم» ولا تجرى عليه أحكام المسلمين فيما بينهم وبين الله وبينهم وبين بعضهم، ولا يحكم بكفر واحد إلا إذا كان لا يؤمن بتلك العقائد استنكارا وإكبارا، فأما إذا لم تبلغ أحد هذه العقائد أو بلغته بصورة غير صحيحة أو منفرة فلا يكون كافرا ولا يستحق الخلود فى النار، وعلى هذا فإن الشعوب النائية التى لم تصل إليها عقيدة الإسلام أو وصلت إليهم بصورة منفردة بمنجاة من العقاب الأخروى للكافرين ولا يطلق عليهم اسم كافر، أما الشرك الذى جاء فى القرآن أن الله لا يغفره «هو الشرك الناشئ عن العناد والاستكبار الذى قال الله فى أصحابه «وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا».
ما يحب أن يقال هنا أن الإمام بهذا الرأى قد أثار موجة من الجدل خرج منها دون أن يفقد يقينه ونتيجة بحثه أو تأمله، وفى الحقيقة فقد كان الإمام كثيرا ما يثير الجدل وهذا لأنه لم يكن يحجب عقله بأى شىء ما عدا كتاب الله وهديه، ولم يكن يخشى هجوما ولا اعتراضا، فقد رسخ فى العلم واستقل بذاته عمن سواها وليقل ما يريد فما يبتغى إلا وجه الله، ولهذا سار يقول الرأى بعد الرأى ولا يهمه اعتراض المعترضين ولا جدل المتجادلين، فتراه مثلا يقر بأن السنة النبوية المشرفة تلتحق بها صفة «الظنية» من جهتى الورود والدلالة، فلا يجوز أن نعتمد عليها فى إثبات العقيدة موضحا ذلك بالقول «فقد يكون فى اتصال الحديث برسول الله شبهة فيكون ظنى الورود، وقد يلابس دلالته احتمال فيكون ظنى الدلالة، وقد يجمع فى الأمرين فيكون ظنى الورود والدلالة، ومتى لحقت الظنية الحديث على أى نحو من هذه الثلاثة فلا يمكن أن تثبت به عقيدة يكفر منكرها وإنما يثبت الحديث العقيدة وينهض حجة عليها إذا كام قطعيا فى دلالته ووروده، بما يعنى أنه لا يمكن أن نقر كفر أحد أو إيمانه إلا بما جاء فى القرآن لأن هذه مسألة خطيرة وغاية فى الحساسية، ويمكن فقط أن نلجأ إلى السنة إذا كانت الأحاديث التى سنعتمد عليها متواترة رواها جميع الرواة وصارت معلومة بالضرورة.
ويؤكد الإمام أن الأئمة الأربعة قد ذهبوا إلى ما ذهب إليه، كما قال الإمام أبوحامد الغزالى أن الأحاديث المنقولة من الآحاد لا تفيد «خبر الواحد لا يفيد العلم، وقال البزودى «خبر الواحد لما لم يفد اليقين لا يكون حجة فيما يرجع إلى الاعتقاد» وقال الإسنوى إن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن».
ويمضى الإمام فى آرائه العقلية المتأملة فيقول إن الإسلام شهد لغطا كبيرا حول ما يسمى بالإجماع، وكان الفقهاء يرددون هذه الجملة ليوهموا الناس أن هذا الإجماع وقع من الجميع، والصحيح أنه «إجماع طائفى أو مذهبى» وكشف الإمام حيلة هؤلاء قائلا إنهم كانوا يقولون تلك الكلمة ليسجلوا على المخالف لوازم مخالفة المسلمين الشائعة متهمين من يقول بغير ذلك أنه خارج عن الأمة ويقول «وكثيرا ما نراهم يردفون حكاياتهم للإجماع بقولهم «ولا عبرة بمخالفة الشيعة والخوارج» أو «بمخالفة المعتزلة والجهمية» ونحو ذلك مما يخيفون به العلماء» ويؤكد الإمام أنه بهذا الإرهاب الفكرى وخشية أن يتم اتهام الواحد باتباع هذه المذاهب كان العلماء يمتنعون عن إبداء رأيهم فى كثير من المسائل خوفا على «سمعتهم الدينية، فوقف العلم وحرمت العقول البحث وحيل بين الأمة وما ينفعها» ويورد الإمام مقولة ابن حزم القائلة إنه «يكفى فساد ذلك أننا نجدهم يتركون فى كثير من مسائلهم ما ذكروا أنه إجماع وإن نحوا إلى تسميته إجماعا عنادا منهم وشغبا عند اضطرار الحجة والبراهين إلى ترك اختياراتهم الفاسدة» ومؤكد أن الإجماع لا يكون إلا على ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وما تلقاه الكافة عن الكافة، وعلى هذا يبطل الإمام حد الردة لأن راوى حديثه «واحد» هو ابن عباس رضى الله عنه، مؤكدا أن الله حرم الإكراه فى الدين، وقال للرسول «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»؟.
ويؤكد الإمام على أنه لو احتفظ غير المسلمين بحالة السلم فهم والمسلمون إخوان فى الإنسانية يتعاونون على خيرها العام، ولكل دينه يدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، «فالإسلام لا يرى أن مجرد المخالفة فى الدين تبيح العداوة والبغضاء، وتمنع المسالمة والتعاون على شؤون الحياة العامة فضلا عن أن تبيح القتال لأجل تلك المخالفة» ويورد الإمام قول الله تعالى مستشهدا «لكم دينكم ولى دين» و«لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» وهو ما يؤكد أنه إذا سالم غير المسلمين المسلمين فبذلك يكونون أهلا للبر والإحسان إليهم، ويدلل الإمام على هذا بما تواتر عن أن أبا طالب عم الرسول كان على شركه إلى أن مات ومع ذلك كان طول حياته سفير صلح بين الرسول وخصومه وكان قوة تحميه من أذاهم.
ولأن الإمام كان يعرف أن الإسلام لا يكون عائقا أبدا للحياة فقد أفتى بالعديد من الفتاوى التى كان من شأنها أن تيسر على الناس وتقرب بين الفرقاء، فأفتى مثلا بجواز التعامل مع المصارف المالية وأخذ القروض منها، مؤكدا أن هذا الأمر لا يدخل فى باب الربا الذى كان يحصل عليه المرابى أضعافا مضاعفة، وأن على العلماء أن يتبعوا قاعدة دفع الضرر فى هذا الشأن، كما أفتى بأنه لا القرآن الكريم ولا السنة المطهرة أخبرونا بأن نبى الله عيسى بن مريم سينزل فى آخر الزمان، وأن كل ما قاله القرآن فى هذا الأمر هو أن الله متوفى عيسى عليه السلام ورافعه إليه وعاصمه من الذين كفروا، وأن من أنكر أن عيسى رفع بجسده لا يكون منكرا لما ثبت بالدليل القطعى ولا يخرج عن إسلامه وإيمانه ولا يحكم عليه بالردة، كما أفتى الإمام فى سبيل التقريب بين المسلمين بجواز التعبد على مذهب الشيعة الإمامية، وهى الفتوى التى أنكرها الشيخ يوسف القرضاوى وقال إنه لم يسمعها منه وكان من المقربين إليه ولم ترد فى أى من كتبه، لكن الشيخ المحقق عصام تليمة أثبتها وقال إنها وردت فى حوار لمجلة الرسالة وقامت مجلة الأزهر بنشره، وكذلك أفتى الإمام بأن كل ما يقال عن وصف الدابة التى ستخرج آخر الزمان وتكلم الناس غير صحيح وأوصى بتطهير كتب السيرة من الإسرائيليات، وله أيضا فتوى تاريخيه يعتبر فيها مسألة إعفاء اللحية أو حلقها من العادات التى يجب على الإنسان أن يساير فيها بيئته ليس أكثر
ويقول الإمام فى شأن بناء الدولة أنها تقوم على أسس أربعة، الأول هو الأخوة الدينية التى لا تعترف بالعنصرية، والثانى هو التكافل الاجتماعى الذى هو من متطلبات الأخوة، والثالث هو الشورى التى تكفل الحكم الصالح، والرابع هو العدل الذى يعد أول دعائم السعادة التى يسعى إليها البشر، ولا يحصل البشر على سعادتهم إلا إذا شعروا بالعدل والمساواة، وهنا تكمن عظمة الإسلام الذى وضع أهم المبادئ الإنسانية مبادئ خاصة به، يتوافق عليها الجيمع فيكون بابه مفتوحا للجميع ويكون قريبا للجميع رحيما بالجميع، ويدلل الإمام على رحمة الإسلام بأنه أمرنا بأن نكون رحماء حتى فى الحرب، فلا يجب أن تقوم الحرب تنكيلا أو تخريبا أو استباحة لدم الأطفال والشيوخ والنساء، ولا يبيح الإسلام الحرب إلا بعد إعلان المحارب بمدة كافية، ولا يبيح قتل الأسرى ولا تعذيبهم بل يأمرنا بأن نطعمهم لنكون أبرارا متقين فيقول الله تعالى فى كتابه الكريم «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا» واتفاقا مع منهج الإمام الإسلامى الإنسانى يقول إن للمرأة ذات حقوق الرجل وعليها ما عليه ولها ما له، بل إن الإسلام فتح الباب أمامها فى جميع شؤون الحياة، ودمها مساو لدمه، وبرغم أن العلماء اختلفوا فى أمر دية المرأة لكنه يرى أن القرآن وهو المصدر التشريعى الأول وضعها فى ذات مكانة الرجل ولذلك فهى مساوية له حتى فى العقوبات.
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
صوت الحق
تحيااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااتى
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى أصيل
رجاء