وسط الأحداث اللاهثة المتسارعة لابد للمندفع أن يرى علامات طريق يتمهل قليلاً ليتأملها كى لا يضل السبيل، والأهم حتى لا يغرق فى رمال الخديعة أو صحراء النسيان منذ نشأة جماعة الإخوان فى بدايات القرن الماضى وهى تطمح إلى السلطة وسيلة للتغيير.. رغم البدايات التى بدأت دعوية خالصة، فما أسرع ما تلبست قياداته فكرة أنهم يمثلون الدين كله، وأنهم فى سبيل ذلك سوف يتخلصون ممن يمنعهم عن تحقيق رؤيتهم المطلقة بكل الوسائل بدءاً بنفاق الملوك والزعماء وانتهاء بقتلهم إذا دعت الضرورة.. من بين صفوفهم ومن تحت عباءتهم خرجت كل الجماعات الأخرى عن يسارهم وعن يمنيهم منطلقين فى فكرة واحدة يجمعون عليها- رغم تعدد وسائل تحقيقها - أن الدين ليس علاقة بين العبد الفرد وربه لا تزر فيه وازرة وزر أخرى، وأن الحكم على هذه العلاقة المقدسة يوم القيامة لله وحده.. ولا كهنوت فى الدين الذى يرى أن الإيمان محله القلوب.. بل هم يرون أن الدين فى خطر فادح منذ أوائل القرن!!! وأنهم حماته والمدافعون عنه بالنصيحة، فإن لم يكن فبالقوة بعد التمكين حتى يعود الإسلام الدولة - قبل الدين - قوياً كما كان حتى وإن كان الثمن هو التضحية بالوطن نفسه ليصبح عضوا فى خلافة إسلامية جامعة متخطية لكل الثقافات والطبائع والحضارات وطرائق التفكير والأصول الإثنية والعرقية والتاريخ والجغرافيا والهموم السياسية والاقتصادية.. كل هذا سوف يختفى بمجرد رفع شعارات عاطفية براقة عن الوحدة فى إطار مفهوم شديد الضيق للإسلام لا يؤمن بالتنوع ولا نسبية الأحكام ولا حتى حق التأويل لما فيه مصلحة الناس إيماناً بالمقولة الشهيرة «أينما كانت المصلحة فثم شرع الله».
نحن الآن أمام وضع غير مسبوق.. هم الآن فى السلطة.. ليسوا ضحايا ولا مطاردين فماذا هم فاعلون؟ حتى لا ننسى فقد استلموا الحكم دون عنف «بل عندما تخلوا عن العنف ولو تكتيكياً» ومن إدارة علمانية حتى لو اصطبغت بطابع عسكرى وعبر آلية ديمقراطية كان متشددوهم يكفرون بها «ومايزال بعضهم».. بل إن الخطوة الحاسمة فى رأيى لتوليهم السلطة كان وقوف القوى المدنية فى صفهم فى اللحظات الأخيرة مقابل تعهدات شهد عليها الجميع.. بل إن الأمر يكاد يجزم أن ضغوطاً أمريكية وعالمية - وربما صفقات - كانت وراء هذا التسليم الذى يريد به العالم أن يستريح قليلاً من ضغوط تيارات تتمتع بجماهيرية ما فى مواجهة أنظمة فاسدة ومستبدة، وفى كل حالة من التشرذم وفقدان البوصلة لكل التيارات الليبرالية والمستقلة، هذا الوضع المعقد يجب ألا يفارق ذاكرتنا أبداً أو نستحضره ونحن نتحد لإزاحتهم عن السلطة - إن أفسدوها - ديمقراطياً كما سلمناها لهم.. نعلن ذلك ونحن لم نر فى عالمنا القديم أو المعاصر أى حكومة دينية تخلت طوعاً عن السلطة وتبادلتها مع قوى أخرى إيماناً بأنها لا تحتكر الحق ولا الحقيقة.. وأن الشعب هو مصدر السلطات الحقيقى والوحيد، وأنه قد سقطت إلى الأبد الأفكار التى تزعم أنها - وفقط - المعبرة عن شرع الله، ومعتنقو هذه الأفكار هم المسؤولون عن فرض رؤيتهم على الناس جميعاً طال الزمن أم قصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة