مع أننى زملكاوى قديم، صابر وصامت ومقهور وغلبان ويائس من مقالب لاعبى الزمالك، التى لا تسر عدواً ولا حبيباً، إلا أننى توسمت بعض الخير فى المعلم حسن، وقدرته على ضبط انفلات اللاعبين الذى يفوق الانفلات الأمنى فى بورسعيد، ولكن بمرور الوقت تأكدت أنه المدير الفنى الخطأ، الذى جاء فى الوقت الخطأ، وأن رحيله أفضل من استمراره، وأن انتصاراته الرائعة مع الفريق القومى فى أفريقيا مجرد ماض جميل، ينغص عليه حياته ويطير النوم من عينيه، وكلما سرح بخياله واستعاد هدير الجماهير التى كانت تهتف باسمه، يلعن اليوم الذى دخل فيه "ميت عقبة".
تشعر وكأنه كان "قرفان" من النادى واللعيبة والجمهور وعم عبده والألتراس والمدرجات وميت عقبة وكل الطرق المؤدية إليها، "قرفان" أيضاً من شيكابالا وعمرو زكى وحازم إمام الكبير والصغير وسعيد قطة وأعضاء مجلس الإدارة وعلى رأسهم ممدوح عباس وبطانته والكابتن إبراهيم يوسف، "قرفان" من اليوم الأسود الذى أصبح فيه مديراً فنياً لنادى الزمالك، لأنه لبس "تاج الجزيرة" أو "السلطانية" وأنه يمسح ماضيه فى الملاعب معلماً فذاً، وانتصاراته فى أدغال أفريقيا مدرباً أسطورياً، وآخرة صبره الهزائم المتتالية على يد عصابة شيكا وميدو ووحيد ورزاق والعميد بشرطة أحمد حسن، الذى أخذه الأهلى لحماً، ورماه للزمالك عظماً.
المعلم حسن شحاتة كان يضع الاستقالة دائماً فى جيبه قبل أن يلعب أى مباراة على طريقة "العلبة دى فيها إيه" وانشغل الجمهور برحيله بدلا من أن يهاجموه بسبب هزائمه، ولا يفكر أحد فى التشكيل الخاطئ ولا التغييرات العشوائية المتأخرة ولا الخطط العقيمة وسوء إدارة المباراة، ولا محمود فتح الله، الذى "نط لتحت" فى مباراة الأهلى الأخيرة وترك الكرة مقشرة لأبو تريكة ليشوطها برأسه فى شباك وحيد.. والخطة الوحيدة، التى نجح فيها المعلم هى أن يهتف له الجمهور "يا معلم يا حبيبنا والنبى أوعى تسيبنا"، ويحملونه فوق الأعناق بدلاً من أن يقذفوه بالطوب والحجارة والشماريخ، وهكذا فعلها مرة ومرتين وثلاثاً وعشراً، لكن ليس فى كل مرة "تسلم الجرة"، وأصبحت لعبة الاستقالة قديمة وبايخة وأصابت الجميع بالملل.
لا يمكن لأى ناد فى الدنيا أن يعيش وعلى رقبته سيف المدير الفنى "القماص"، الذى استقال خمس مرات رغم هزائمه وتوقف النشاط الكروى، والمصيبة أنه لم يحقق بطولة ولا انتصاراً مهماً، وأضاع كأس مصر على الزمالك فى يوم تاريخى مشهود خرج فيه مهزومًا من إنبى وترك الحسرة فى قلوب مائة وعشرين ألف زملكاوى ملأوا إستاد القاهرة بالأعلام البيضاء، ولم يفز على الأهلى ولقنه الشاب حسام البدرى درسًا قاسيًا فى توظيف لاعبيه الكبار والصغار وخطط اللعب التى تتغير حسب سير المباراة، وعلى يد المعلم أصبح الزمالك الآن فى ذيل التصفيات الأفريقية برصيد صفر، ولم يشعر أحد بعودة مدرسة الفن والهندسة ولا حتى كتاب الشيخ حسن، يعنى لا فتح عكا ولا غزا الشام، إذن لماذا العنطزة والزهق والقرف؟
المعلم "قرفان" ولا بد للقرفان من فيضان، خصوصاً أن الدنانير والدولارات واليورو والريالات تزغلل العيون وتلاعب القلوب من الفرق والمنتخبات الخليجية، التى تطلب خدماته، استنادًا إلى ماضيه الذهبى مع المنتخب الوطنى فى أفريقيا، ولو استمر مع الزمالك سيصبح رصيده صفيحاً، ولن يكون مطلوباً فى فرق أكثر من بسيون وطنطا وبنها وكفر الدوار، اهرب قبل الطوفان، لأن فى الزمالك لاعبين مدللين ومتآمرين ويستطيعون الإطاحة بأى مدرب، ولهم فى هذا الشأن سوابق كثيرة وحكايات مثيرة!
المعلم- علاوة على ذلك - لا يعرف التسامح ولا يعترف بالصفح وليس للاعتذار فى قلبه مكان، ولا ينسى الإساءة مهما طال الدهر، وظل واضعًا "ميدو" فى رأسه عشر سنوات كاملة، منذ معركة التلاسن الشهيرة فى إستاد القاهرة، حتى أطاح به من الزمالك ومن الملاعب المصرية إلى الأبد، وقام بترحيله إلى سبنسة الدورى الإنجليزى، ولولا أن القدر كان رحيما بشيكابالا ورحل المعلم ليواجه نفس مصير ميدو، ولن تنفعه موهبته الفذة أو تشفع له، مع الوضع فى الاعتبار أن ما فعله شيكا غير أخلاقى وتصرف أحمق وشاذ، لكنه لا يستوجب البتر من الملاعب.
أتصور - باعتبارى زملكاويا مقهورا - أن أحداً لم يحزن على رحيل المعلم، لأنه لم يقدم شيئاً يسعد به جماهير الزمالك الحزينة التى نسيت طعم الانتصار، وإحساس عام بأنه "قاعد رغم أنفه"، وأنه يستخدم أحدث أساليب "التلكيك" حتى يفر من ميت عقبة، ولكن فى نفس الوقت لا أحمله المسئولية كاملة، لأن هذا الفريق المنحوس يبتليه الله دائمًا ومنذ عشرات السنين ببعض اللاعبين، بمقدورهم أن يجلبوا النحس لريال مدريد وبرشلونة ومنتخب البرازيل، بما يمتلكون من مهارات فى التآمر والشللية والتأليب والغدر، وهذا هو سبب هزائمهم المستمرة والمكررة، رغم أن ناديهم لديه مجموعة من أفضل أصحاب المهارات، ولكن ربك رب قلوب، فقلوبهم مؤلفة وضمائرهم غير خالصة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة