أود أن أطمئن وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون، التى لم تنزعج من المظاهرات الرافضة لزيارتها لمصر، بأن الطماطم التى قذفها بها المتظاهرون كانت فاسدة وغير صالحة للأكل، حتى لا تحزن لإلقائها على الأرض وكان يمكن استخدامها فى الطعام على حد قولها، وهى دعابة ثقيلة الظل والمعنى، واستظراف فى غير موضعه:
أولا: لأن سفيرتها فى القاهرة خدعتها وضللتها ولم تقل لها الحقيقة وأن أعداداً غفيرة من المصريين يرون أنها جاءت لتدس أنفها فى ملفات الشأن الداخلى، وهى خط أحمر، خصوصًا أن الرئيس مرسى لم يلتقط بعد أنفاسه، ولم يبدأ فى إجراءات ترتيب البيت من الداخل، علاوة على أجواء الصراع السياسى، الذى تحركه قوى داخلية وخارجية كثيرة، وهو ما أثار الريب والشكوك حول توقيت الزيارة وأسبابها ودوافعها.
ثانيًا: لأن كرامة مصر وشعبها لا تقبل الابتزاز بالضغوط أو التلويح بالمساعدات والمعونات، وهى الأوراق القديمة التى اعتادت واشنطن أن تستخدمها ضد مصر، وتضغط على إرادتها وقرارها السياسى قبل الثورة، ولم يعد ذلك مسموحاً أو مقبولاً بعد الثورة .
ثالثا: لأن "هيلارى" أعادت إلى الأذهان صورة سابقتها "كونداليزا" وإن كانت الأولى شقراء والثانية سمراء، نفس التكبر والجليطة وقلة اللياقة وعدم فهم ثقافة الشعوب، وإذا أضفنا لهذا الثنائى ثالثتهن "مادلين أولبريت" يمكن أن نفهم سر كراهية المصريين لهذا النوع من وزيرات الخارجية الأمريكية.
رابعًا: لأن الشعور العام هو أن "هيلارى" جاءت من أجل إسرائيل وليس من أجل عيون مصر والمصريين، وليس خوفًا من عدم استكمال عملية الانتقال السلمى لسلطة مدنية، فأمريكا لا يهمها فى المنطقة سوى إسرائيل، وجاءت لطمأنتها وجس نبض النظام المصرى الجديد، ومناقشة أسباب التوتر بعد الثورة، والتأكيد على استمرار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.
لا يخفى على أحد أن إسرائيل تعيش حالة قلق قصوى منذ قيام الثورة المصرية، وتخفى قلقها خلف قناع اسمه الأمن فى سيناء، وتنفخ فى النار تحت الرماد لتعطى نفسها ذريعة التدخل بزعم حماية حدودها من الخطر، وهو ما عبرت عنه "هيلارى" بقولها إنها تخشى أن تتحول سيناء والحدود إلى قاعدة عمليات للجهاديين فيتزايد الإرهاب فى المنطقة، مع أنها تعلم جيدا أن الإرهاب صناعة أمريكية - إسرائيلية، وأن أسلحته إما تجىء من إسرائيل نفسها، أو من الترسانة التى سلحت بها ثوار ليبيا إبان الحرب ضد القذافى ويتم تهريبها الآن الى مصر.
المؤكد أن "هيلارى" سمعت من المسئولين المصريين كلاما لا يعجبها حين طلبت أن يتعامل الأمن المصرى مع الخلايا الإرهابية فى سيناء، فأمن سيناء مسئولية مصر وحدها، وهى التى تعرف محدداته ومخاطره وضوابطه، وعندما تقرر أن تواجه الانفلات الأمنى فى سيناء، فإن ذلك يكون لصالحها وليس لحساب إسرائيل التى تسعى لتوسيع دائرة القلق والصراع، فارفعوا أيديكم عن سيناء، وابعدوها عن الصراعات والمخططات والمؤامرات، وجيش مصر وشعبها قادرين على ردع كل من تسول له نفسه تهديدها.
جاءت "هيلارى" أيضًا من أجل الحشد ضد إيران، ولكنها لم تجد من يؤيدها سوى إسرائيل، وهو ما عبرت عنه بقولها إنها ستستخدم كل عناصر القوة الأمريكية لمنع إيران من حيازة السلاح النووى، وإسرائيل وأمريكا تنظران بنفس الطريقة لموضوع إيران، أى أنها تريد التفوق الساحق لإسرائيل، وأن تحتكر وحدها السلاح النووى، وأن تظل موازين القوى لصالحها، ليس فى مواجهة الدول العربية فقط، ولكن أيضًا فى الوضع الإقليمى.
هل تخدع "هيلارى" نفسها وهى تعلم جيدًا أن دول وشعوب المنطقة لن تتورط أبدًا فى أى عمل عسكرى أو عقوبات دولية ضد إيران، وأن الذى يهدد الأمن القومى العربى هو إسرائيل بالدرجة الأولى، وأن الحرب ضد إيران سوف تفتح أبواب جهنم وتقوض الأمن والاستقرار فى المنطقة كلها، وتهدد بعمليات جهادية واستشهادية وإرهابية، لن تقتصر على الرعايا الأمريكيين والإسرائيليين فقط بل ستمتد إلى سائر دول العالم.
من حق أمريكا وإسرائيل أن تنظرا بنفس الطريقة للموضوع الإيرانى، لكنهما لا تستطيعان أن تفرضا نفس النظرة على دول المنطقة لتعارض المصالح، ومهما حاولت واشنطن أن تغلف نظرتها بمبررات الفزاعة، وتخويف دول المنطقة من النفوذ الإيرانى خصوصا دول الخليج، فإسرائيل هى الأكثر خطراً وتهديداً لأمن واستقرار المنطقة، وأمريكا تريد ضرب إيران لصالح إسرائيل وليس لصالح العرب لتقع المنطقة بين آنياب قوة إقليمية وحيدة.
الخلاصة أن وزيرة الخارجية جاءت تبيع لنا بضاعة فاسدة، فقذفها الناس بالطماطم الفاسدة.. فلا تحزنى، المصريون يقسمون بالنعمة، ولا يرمون على الأرض طعامًا صالحاً للأكل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة