لا تصدق كل ما تسمع أو تقرأ، فبعض منه إما يكون مكتوباً أو قولاً من باب الاستسهال فى النقل أو أحياناً كذباً، وربما جهلاً، وليس هناك من أدنى حالة من حالات التدقيق، تتساوى فى ذلك الأخبار المهمة المرتبطة بمصير البلاد مع الأخبار الطريفة أو حتى الفنية، ولكن أغلبها صارت مصبوغة بصبغة سياسية منافقة فيما يجب ألا تكون. وسأطرح عليك مثالا لخبر تم تناقله وإن بدا بسيطاً لكنه يحوى كل الأشكال التى أشير إليها.
فقد انتشر خبرا طوال الأسابيع الماضية عن رفض التليفزيون الرسمى عرض مسلسل كاريوكا فى رمضان لأنه غير مناسب للعرض فى الشهر الفضيل، حيث إنه يحكى قصة حياة راقصة، وبالفعل قرأت مقالات تعلق على الخبر، بل قرأت تصريحات على لسان رئيس التليفزيون عصام الأمير يدافع عن هذا القرار ومقالات أخرى تشير لصورة من صور بداية غزل الإعلام الرسمى لنظام الإخوان المسلمين القابع فى قصر الرئاسة، وأخرى تندد وتستنكر، وأعود لأقول قرأت، أى أنى لم أتحقق من الخبر من مصادره بنفسى، ولكنى للحق تعجبت بعض الشىء من هذا الخبر وبشكل منطقى، لأن أولاً القاصى والدانى يعرف الحال المادية المزرية التى يعانى منها مبنى ماسبيرو والتى لن تسمح له بنوع من أنواع الدلع والاختيار فيما يشترى للعرض الرمضانى ويتنافس مع فضائيات خاصة راحت تعرض بضاعتها منذ شهور، ثم ثانياً شاهدت تنويهات عن العشرات من المسلسلات والبرامج التى لا يبدو عليها ولا على أحداثها كما تشير التنويهات إلى أنها ستحترم الشهر الفضيل أو ستغازل التيار الدينى السياسى لأن رمضان عموماً وتحديداً هذا العام هو حلم وفرصة الفضائيات وشركات الإنتاج فى تعويض ركود فنى يدوم منذ فترة، إذن حكاية أن مسلسل عن راقصة مش مناسب لرمضان أيضا تبرير غير منطقى.
إذن منع مسلسل كاريوكا من العرض خبر عار من الصحة، ولكن استسهل البعض تناقله وحتى التعليق عليه إما لمهاجمة الإخوان والتيارات الدينية التى بدأت بشاير حكمهم كما زعم من كتب أو كما كتب آخرون يحيون هذا القرار ويثنون عليه لأنه أخيراً سيتم تنقية أعمال رمضان لتناسب جلال الشهر، بل راح البعض فى الإعلام يدلل بمنع هذا المسلسل من العرض كنوع من مغازلة الإعلام الرسمى للحكام الجدد.. حكاية متكاملة الأطراف وكاذبة تماما، ولم يكلف أحد نفسه التيقن منها على الإطلاق.
والحقيقة أن هذا المسلسل لم يعرضه منتجه أساساً للبيع للتليفزيون الرسمى لأن قناة دريم قد اشترته للعرض حصرياً وماسبيرو لا يملك من مسلسلات النجوم إلا مسلسل عادل إمام الذى اشتراه منذ عام من قبل الثورة.
ويبقى السؤال من الذى سرب أو أشاع منع المسلسل من العرض؟ قد يكون المنتج ليصنع دعاية له، ولكن ظنى أن الأمر ليس بهذه البساطة أو قد يكون رئيس التليفزيون مثلا الذى أراد أن يثبت للبعض أنه حامى حمى الأخلاق فى الإعلام الرسمى لأنه منذ إعلان هذا الخبر والرجل لم ينف أنه منع أو أجاز، أو قد يكون طرف ثالث أراد أن يختبر وقع خبر منع مسلسل من العرض لأسباب أخلاقية وكيف سيقبله المجتمع، وهل سيقبل دون جدال أو جدل، أو قد يكون مجرد صحفى غير دقيق تناقل آخرون عنه الخبر.
وليس البحث عن صاحب خبر منع مسلسل كاريوكا هو هدفى، فالأمر ليس المبتغى ولكن مقصدى أن تنتبهوا أن كثيرا مما تقرأون قد يكون غير صحيح وحتى أقلام الكتاب تنساق خلف هذه الأخبار لتصنع منها قضية ويتحدث عنها الإعلام ويحللها المحللون والحق أنها مبنية إما عن كذب أو هدف غير معلن أو أحياناً مجرد خيبة.
قصة حياة تحية كاريوكا الفنانة المصرية وإحدى علامات الفن فى مصر ستعرض فى رمضان ولن يمنعها أحد لأنها جزء من تراث جميل نملكه، وأتمنى أن يكون عمل باسمها له نفس قيمتها وقامتها، ولذا لا تصدق كل ما تقرأ أو تسمع بل اسأل نفسك أول درس علموه لنا فى كلية الإعلام من يقول ماذا ولمن وبأى طريقة؟ لكى تعرف حقيقة ما يقال لك، فما أكثر ما يقال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة