من المحتمل وربما من المؤكد أنك شاهدت صورة الجندى الذى يحمل طفلاً، انتشرت الصورة فوق لوحات إعلانية أمام معسكرات الجيش، وألصقت بعناية على مركبات الجيش وأتوبيسات هيئة النقل العام.
صورة الجندى والطفل تلخص علاقة الجيش والشعب، قبل وبعد الثورة من وجهة نظر المجلس العسكرى، والذى أنتج هذه الصورة الرمز واهتم بترويجها، الصورة حقيقية، حيث كانت الأسر التى تذهب لميدان التحرير تلتقط صورا تذكارية لها ولأبنائها أمام المدرعات ومع الجنود الذين حموا الثورة، وكان الجنود يرحبون بالتصرف التلقائى لهذه الأسر، ولا يمنعون الأطفال من امتطاء دبابة أو مدرعة والتقاط الصور، وكان الجنود يرحبون بحمل طفل رضيع والتقاط صورة معه.
من هنا جاءت ولادة الصورة - الرمز، التى يحمل فيها الجندى طفلاً صغيرا لأسرة مصرية لا نعرف عنها شيئا. الصورة مثل أى صورة قاومت النسيان والفناء، وسجلت وقوف الجيش إلى جانب الثورة، فى لحظة تاريخية عظيمة، أنتج فيها الطرفان موجة من الفرح والأمل.
لكن ثمة ضابطا مجهولا قرر استغلال الصورة وتوظيفها دفاعاً عن أخطاء العسكر فى المرحلة الانتقالية، وفى محاولة لتحسين صورة المجلس العسكرى، ويبدو أن الضابط المجهول -حظى بدعم قادته- يتمتع بقدر هائل من الجهل الإعلامى وضيق الأفق، فضلاً عن السذاجة السياسية، فقد اختار التوقيت الخطأ، والسياق السياسى المأزوم، فأنتجت الصورة معانى سلبية ورسالة لا معنى لها سوى أن الجندى رمز الجيش يرعى طفلاً هو الشعب، واهتدى الضابط المجهول إلى تجريد الصورة من خلفيتها الحقيقية والتى يظهر فيها بشر وأجزاء من الميدان، واستخدم خلفيات لونية مختلفة وأحياناً علم مصر، وكتب تحت الصورة «الجيش والشعب إيد واحدة».
لكن صورة الجندى والطفل قد تسمح بقراءات أخرى تختلف مع القراءة السابقة، فهى تعبير عن حماية الجيش للثورة، وقد يرى فيها البعض أن الطفل يرمز للمستقبل، بينما الجندى يعبر عن قوة الثورة والوطن فى لحظة انتصار الثورة، وبالتالى سيكون المستقبل - الطفل أفضل، كل هذه قراءات ممكنة، بل إن هناك قراءة قدمها شباب الثورة على فيس بوك وتويتر عندما غيروا وجه الجندى بالمشير، ووجه الطفل بالرئيس مبارك!!
القصد أن القراءات متعددة والمعانى قد نختلف عليها، لكن تبقى القراءة التى تقول بلا مواربة أن الجندى - الجيش، مقابل الطفل - الشعب، هذه هى قراءتى للصورة بعد أن جردت من سياقها وخلفيتها، ونشرت بعد أن تباعد الجيش عن الثورة وهتف الثوار ضد استمرار حكم العسكر، الصورة فى هذا السياق تفيض بالمعانى والدلالات التى تؤكد وصاية المجلس العسكرى على الشعب وقدرته على رعاية الشعب وربما تربيته!! فالطفل فى الصورة - الرمز يتطلع للجندى، يتفحص وجهه فى هدوء وحياد، فهو لا يبتسم ولا يبكى، بينما الجندى يبتسم فى حنان مخلوط بقدر من الزهو والثقة فى النفس، الطفل مستسلم وهادئ، بينما وجه الجندى وملابسه والبندقية المعلقة على كتفه تفيض بالحيوية والثقة بالنفس والقوة والحركة.
تناقض واضح وصادم بين الصورة والعلاقة الواقعية والدستورية بين الشعب والجيش، فالشعب هو الأصل، والجيش من الشعب، والجنود أبناء الشعب وهم مكلفون بمهام الدفاع عن الوطن، ولا وصاية للجيش على الشعب، وليس الجيش مهما كانت بسالته بقادر على رعاية الشعب وتربيته كما تشى بعض معانى الصورة - الرمز، فالشعب ليس بطفل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
مش ترحمونا بقى!