فجأة.. هدأ كل شىء وحار الناس فى فهم «الجماعة» التى ملأت الدنيا صخبا وتحديا ووعيدا.. وقد حذرنا - وصدق حدسنا - من محاولة جماعة الحزب وحزب الجماعة مع فلول السلفية الجهادية إفساد لعبة الديمقراطية، التى لا يؤمنون بها إطلاقا إذا لم تحقق لهم ما يريدون.. الديمقراطية عندهم وسيلة للتمكين «أرخص» من العنف وأكثر أمانا.. أما إذا لم تأت بهم فهى كفر بواح، هكذا يصرحون دون أن يحاسبهم أحد.. أحدهم قال إن من يختلف معهم بعد التمكن فسوف يعتبر من الخوارج الواجب قتالهم وقتلهم، وصرح البلتاجى بأنهم سوف يعودون للشارع إذا لم يعجبهم حكم الدستورية العليا، بل طالبوا صراحة بإعادة تشكيلها كما يحلو لهم.. هكذا.. قفزا فوق كل القواعد وانتهاكا لكل التقاليد الديمقراطية فى الفصل بين السلطات.
كل هذا كان متوقعا على كل حال.. فالأحزاب تشكلت على أساس دينى، بل عنصرى، دون رادع فى قانون أو دولة، وخطاب التكفير يصرح به على منابر المساجد حتى وصل الأمر إلى الدعوة الصريحة عبر قنوات التليفزيون إلى إعدام المجلس العسكرى وإقامة شرع الله بالقوة الآن، وفى ظل رخاوة لم تشهد لها الدولة المصرية مثيلا فى تاريخها كله.
ولكن ماذا حدث؟ ما الذى أصاب رئيسى المجلسين الموقرين فهدأ الوضع وتم «الطناش» على موضوع الحكومة؟ بل تم التوافق الفورى على معايير لجنة الدستور؟ وصفق النواب المحترمون لتحية العسكر، وهم من أرغوا وأزبدوا منذ أيام غضبا عليه وتهديدا بعظائم الأمور، وبدا التمثيل متقنا لدرجة أن كثيرا من الثوار صدقوهم واندفعوا مع التحريض الأعمى إلى أسوار وزارة الدفاع تحت رايات الجهاد السوداء يقودهم الملثم المحكوم عليه بالإعدام لتكفيره النظام والناس أجمعين.. وبدت عبثية المشهد غير محتملة لبسطاء الناس الذين أعياهم تنقل زعمائهم بين الأفكار والقرارات بكل هذا القدر من الارتباك والفوضى وغياب المبادئ والمعايير.
ليس لدى معلومات تؤكد حدسى، ولكن أؤكد أن ما غيّر إيقاع المشهد هو تدخل المملكة بكل ما تملك من تأثير على التيارات المتأسلمة كلها، بدءًا بمنابع الأموال التى يمكن تجفيفها، مرورا بحقائق المخابرات التى تعرف كل التفاصيل وتعض على كل الأصابع، وانتهاء بالسيطرة على التنظيم العالمى للجماعة فى كل أنحاء المعمورة والواصل طبعا بالمخابرات الأمريكية تنسيقا وموافقة وتحديدا للأولويات.. ذهب الوفد البائس لكى يعود ومعه الجيزاوى على متن الطائرة، علّه يكسب «بونطا» فى معركته اليائسة لاستعادة بعض من شعبية مفقودة، فأعطاهم الملك درسا فى أصول السياسة والعلاقة بين الدول، فمثل هذا البونط ويمنح الرئيس القادم والمجلس العسكرى المسيطر فعليا على السلطة ولا يمنح الزاحفين إلى هناك استجداء لعفو عن خطأ لم يرتكبه أحد.. فإهانة المصريين - شعبا وأفرادا - تتم يوميا فى المملكة، والمنكر لهذا لا يفعل سوى إضافة السكر عله يخفى مرارة الحنظل لعلاقة لم تبن إطلاقا على الاحترام المتبادل بعد موت عبدالناصر ورغبة الحكام فى الانتقام من طموح الرجل لضرب قلاع «الرجعية» فى كل مكان.
الممكلة تلعب الآن دورا فى «عقلنة» سلوك الجماعة، ربما تغييرا فى التكتيك، ولكننى لا أظن أبدا أن استراتيجية التمكين قد طرأ عليها أى جديد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة