فاطمة خير

عن لبن الفقيرة وزهور مصر

الخميس، 17 مايو 2012 04:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يُحكى أن «ست» فقيرة، كل حلمها فى الحياة هو بضعة جنيهات تشترى بها الطعام لأسرتها، لكن هذه الفقيرة لم تكن تمتلك سوى عنزة صغيرة، انتظرتها حتى كبرت، ثم أصبحت قادرة على أن تدر اللبن. أخذت الفقيرة اللبن، وذهبت إلى السوق كى تبيعه، راودها شعور كبير بالرضا، ثم تحول إلى الثقة بأن الله تعالى لا بد سيعطيها ما هو أفضل، لأنه إذا كانت عنزتها قد منحتها كل هذا اللبن، فلا بد أن الله راضٍ عنها وسيعطيها ما هو أكثر؛ لمَ لا وهى التى تراعى ضميرها فى كل ما تفعل؟ لمَ لا وهى التى تستحق المساعدة لأنها تعول أسرتها الكبيرة وحدها؟ لمَ لا وهى التى برغم فقرها تحلم بتعليم أبنائها؟ لمَ لا وهى التى يخبرها الجميع بأن الفقر لا يليق بها وأنها تستحق الرخاء؟!
حملت الفقيرة آنية الحليب فوق رأسها واتجهت إلى السوق، كانت كلما سارت زادت ثقتها بأن القادم أفضل، سبحت فى بحر خيالها، ورأت كيف أنها ستبيع اللبن بأعلى سعر، فهو الأجود، لابد أنها ستعود مرات ومرات، لتبيع اللبن مرات أخرى تحصل فيها على أموال أكثر، وفكرت أنها لا بد سترفع السعر ما دام حليبها هو الأفضل، وستبيع أكثر لأن الجميع يتلهف على شرائه، وسافرت بخيالها أبعد، فرأت أن ما ستكسبه من المال سيفيض عن حاجتها الحالية، لذا فهى ستدخر لشراء عنزات أخرى، ستدر بالضرورة الحليب الأفضل، ستبيعه أيضاً، وتكسب أموالاً وفيرة، ثم ستتوسع فى أعمالها لتشترى دجاجات تبيض لها بالضرورة بيضاً كثيراً كل يوم، وجودته ستكون الأعلى فى السوق، لمَ لا وهى التى يبارك لها الله فى كل أعمالها بسبب نيتها الصافية؟.. حلمت الفقيرة وحلمت، ورأت نفسها تنتقل من الفقر إلى الغنى، وأنها لن تضطر، بعد يوم لابد آتٍ، إلى أن تحلب لبن عنزتها بنفسها، ولا أن تذهب إلى السوق لتبيعه بنفسها، بل ستكتفى بالجلوس فى حديقة منزلها، تمرح مع دجاجاتها وعنزاتها، ستركض معها بينما ضحكتها تصل عنان السماء.

عنان السماء لم تصله ضحكات الفقيرة أبداً، بل صرخة مدوية أطلقتها، حين تعثرت فى الطريق، حجر واحد فقط لم تره، اعترض طريقها بينما كانت تحلم، سقطت وانكسرت آنية الحليب، سال على الأرض، وامتصته تماماً كما امتصت أحلام الفقيرة إلى لا رجعة!
نحن تماماً كتلك الفقيرة انتظرنا طويلاً، كى تكبر العنزة وتدر حليباً يروى فقرنا، ثم حلمنا لأبعد ما ذهب خيالنا، لا طموحنا، ولم ننتبه إلى أن فى الطريق أحجاراً، وأن واحدة فقط منها كافية كى تنكسر عليها كل الأحلام، وتجاهلنا أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، وأن الأخيرة، لا تكفى وحدها لبلوغ أى مكان!.

نحن كتلك الفقيرة، جلسنا نصرخ على اللبن المسكوب، ولم نعط للوقت قيمته الحقيقية، ولا حقيقته كسيفٍ إن لم نقطعه قطعنا، صرخاتنا قد تستجلب الشفقة، لكنها أبداً لن تجلب الاحترام، أو تمنحنا مكاناً وسط المنتصرين، العالم يا سادة يحكمه الأقوياء، لا أصحاب المخيلات الواسعة دون قدرة على الفعل.

إنها الفرصة الأخيرة قبل عقود كثيرة قادمة، كى يتاح لنا تصحيح أوضاع لن تمنحنا وطناً حقيقياً، كلنا راعٍ وكلنا مسؤولٌ عن رعيته: الكلمة مسؤولية، والفعل مسؤولية، والحلم مسؤولية، والتنفيذ مسؤولية، وكلنا فى المركب ذاته، إما سيصل بنا إلى بر الأمان، أو نغرق إلى حين بعيد.

فلنحترم اختياراتنا، ولنحترم بالقدر نفسه اختلافاتنا، لنحب بلدنا بالقدر الذى يستحقه، ولنعامل أنفسنا بالقدر الذى يليق بنا.
لندع ألف زهرة تتفتح.. لا بل 85 مليون زهرة.
لتحيا مصر








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة