صارت استضافة مرشحى الرئاسة الثلاثة عشر هى الوجبة الرئيسية لجميع المحطات التليفزيونية الأرضية والفضائية المصرية، وحتى العربية، دون منازع، اللهم إلا المسلسلات التركية، مثل فاطمة، وحريم السلطان، وغيرهما الوافدة من بلاد الأناضول.
وإن كانت انتخابات الرئاسة المصرية بالتأكيد هى أهم حدث فى حياة المصريين الآن، وبالتالى فالإعلام واجبه أن ينقل ويتحدث بكثافة عن الحدث الرئيسى، فإن المسألة قد تحولت إلى سيرك كبير، هزله أكثر من جده، حتى انقلب الأمر إلى ضده، وصار مشهد المرشح الرئاسى جالساً أمام مذيع على اختلافهم- سواء المرشح أو المذيع- مثيرا للهروب أكثر منه مثيرا للاهتمام.
ولنبدأ من أول السطر أو أول الحكاية، فمصر جديدة فى حكاية الانتخابات الرئاسية والمرشحين، وبالتبعية فإن الإعلام والإعلاميين أيضاً بلا خبرة فى المسألة، والطبيعى أن قلة الخبرة فى أمر ما يجب أن تدفع أى إنسان عاقل راشد إلى أصحاب الخبرة، لينهل منهم ويأخذ منهم معالم الطريق، وليس هناك من مناظرات أو لقاءات رئاسية أشهر من المناظرات الرئاسية الأمريكية، فهى الأقدم والأكثر شهرة فى العالم. مناظرات الرئاسة الأمريكية لها تاريخ منذ عام 1858، حيث كانت المناظرات السبع الشهيرة بين إبراهام لنكولن، والنائب ستيف دوغلاس الذى قرر أن يخوض الانتخابات منافساً، وطبعا فى هذا الوقت لم تكن المناظرات إلا فى مواجهة جمهور المرشحين بلا كاميرات ولا ميكروفونات إذاعة. واستمرت فكرة مواجهة المرشحين أمام الناخبين على مدى تاريخ الانتخابات الرئاسية إلى أن بدأت تأخذ شكلها الحالى بداية من 1960، حين أرسل طالب بجامعة ميريلاند الأمريكية وهو فريد أ.خان رسالة إلى زوجة روزفلت يطالبها بأن يعرض زوجها والمرشحون المواجهون له برامجهم أمام طلبة الجامعة فى لقاء مفتوح، وبالفعل حدثت المواجهة التى صارت طقساً من طقوس الانتخابات الأمريكية، حتى إنهم أنشأوا لها لجنة خاصة أطلقوا عليها لجنة المناظرات الرئاسية CPD، وهى مؤسسة غير ربحية، يرأسها رؤساء سابقون وسياسيون وإعلاميون يحددون معايير وأماكن محددة لهذه المناظرات، وتنقلها كل وسائل الإعلام على اختلافها، لأنها حدث قومى.
بالتأكيد أن كل ما سبق الحديث عنه بالنسبة لأمريكا تدابير ونظام استغرق وقتا وعقلا وتدريبا، ولا يمكن لعاقل أن يطلب تنفيذه بنفس آلياته فى شأن الانتخابات المصرية، ولكن لا يمكن أيضاً لعاقل أن يقبل ما يحدث الآن من الإعلام الذى يجرعنا المرشحين دون أن يضيف للمشاهد أى شىء ملموس، سوى كلام مرسل، وأحياناً اتهامات وشتائم بين مرشحى أرفع منصب فى مصر.
المناظرات الرئاسية واللقاءات شأنها أن توجه لهؤلاء الذين لم يحسموا أمرهم فى انتخاب مرشح بعينه، ولا أظن أن ما يفعله إعلامنا بجميع قنواته ومذيعيه إلا زيادة عدد الذين ربما سيقاطعون الانتخابات التى بدأ كثير من عامة الشعب يرى أنها تشبه مسلسلات رمضان.. أحداث بينها إعلانات سمنة، ثم أحداث وبينها إعلانات بيريل، ثم أحداث وبينها إعلانات فوط صحية وجيل للشعر، فلا أستطيع أن أفهم كيف تُترك المناظرات واللقاءات للاتفاق الخاص بين كل مرشح ومحطة تليفزيونية، ويشترط المرشحون أن يكون مؤيدوهم حولهم دون آخرين، فيبدو الأمر كأننا أمام برنامج مسابقات مع جمهور متفق عليه مسبقاً، ومؤجر لمهمة التصفيق.
هناك مثل شعبى يقول «عامله زى الهبلة لما مسكوها طبلة» نستخدمه لوصف سوء التصرف وتكراره، والحق أن إعلامنا بكل قنواته ومذيعيه- لا أستثنى منهم أحدا كما إدارات هذه المحطات- لم يستطع أن يجتمع مرة واحدة لصالح الشعب الذى تسحقه اللخبطة، فيصر على التعامل مع المرشحين كمسلسلات رمضان التى يتنازع عليها، فينتهى الأمر بالمشاهد إما مخاصماً لها أو مشاهداً لها مجزأة، من كل قناة جزء. إعلامنا وإعلاميونا يسيرون على مبدأ «الهبلة اللى مسكوها طبلة» أو الهبلة اللى أدوها بدل المرشح 13 فقرروا أن يصيبوا الشعب كله بالهبل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة