من الواضح تراجع شعبية جماعة الإخوان المسلمين فى مصر من يوم فوزها بالأغلبية فى مجلس الشعب حتى يومنا هذا، بل إن البعض يرى أنها بالفعل قد بدأت فى العد التنازلى، إن لم يكن لوجودها ككيان، فعلى الأقل لوجودها السياسى على الساحة، لقد بدا واضحا من سلوك الجماعة خلال الأشهر القليلة الماضية أن همها وشغلها الشاغل هو السلطة، ولا شىء غيرها، هذا رغم قناعتهم التامة وقناعة الجميع معهم بعدم مقدرتهم على إدارة أمور البلاد أو مواجهة المشاكل المعقدة التى لا يقوى على مواجهتها أى تيار سياسى منفرد مهما كانت قوته، ورغم هذا فالإخوان مندفعون بشبق غير عادى للاستحواذ على كافة أجهزة السلطة والقرار، من مجلسى الشعب والشورى إلى الحكومة إلى اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، وصولا لمقعد الرئاسة، وفى كل خطوة للاستحواذ يكتشف الشعب عدم مصداقية كلامهم وتصريحاتهم.
فقد سبق أن حددوا نسباً لن يتجاوزوها فى مقاعد مجلسى الشعب والشورى وتجاوزوها، وصرحوا مرارا وتكرارا بأنهم لن ينافسوا على الرئاسة، وقاطعوا المرشح الإخوانى للرئاسة عبد المنعم أبو الفتوح، واعتبروه منشقا عن الجماعة، وعادوا هم ليقدموا مرشحا للرئاسة، ووعدوا بمشاركة القوى الأخرى فى العمل، بينما ذهبوا يسيطرون على لجان مجلس الشعب وينفردون بلجنة إعداد الدستور، ومن الواضح أنهم ليس لديهم برامج عمل محددة وطويلة المدى، فهم يتعاملون مع الأحداث بشكل وقتى وبأسلوب رد الفعل، وبات واضحا انفصالهم بشكل كبير عن نهج الثورة المصرية ومطالبها وأهدافها، بل باتوا غرباء على الثورة وشبابها، كما كانوا فى بداية هذه الثورة فى 25 يناير العام الماضى، عندما انتظروا طويلا حتى تأكدوا من قوة الثورة، ثم قفزوا على الميدان وصعدوا المنصات.
الإخوان المسلمين فى مصر مبهورون بشدة بمقاعد السلطة وامتيازاتها والحصانات ودائرة الضوء والنجومية الإعلامية، كما أنهم مبهورون باهتمام الآخرين بهم فى الداخل والخارج، وسعى الأمريكيين للقائهم والحوار معهم، ولهم العذر فى ذلك بعد سنوات طويلة من العزلة والاضطهاد والمطاردة، والإخوان باندفاعهم وانبهارهم يتوهمون خطأ أن جموع الشعب الذين صوتوا لهم فى البرلمان سيظلون وراءهم، يدعمونهم ويؤيدونهم، ويدافعون عنهم من منطلق أنهم أهل الدين، وما دونهم كفار وملحدين، وكأن هذه الجموع الشعبية ليس لها قضايا ومطالب ومشاكل كثيرة تحتاج إلى الحلول، وأنها تطمح لحكم يوفر العدل والخبز والأمن ويسعى للتنمية والبناء.
الإخوان فى مصر أخرجتهم الثورة المصرية لدائرة الضوء، وأخرجت معهم عيوبهم ومشاكلهم وصراعاتهم الداخلية وخلافاتهم التنظيمية التى لمسها الجميع بوضوح على مدى الأشهر القليلة الماضية، وبات واضحا أن ما كنا نعتقد أنه تنظيم قوى ومترابط ومحكوم بقواعد حديدية صارمة، ما هو إلا وهم وبنيان هش ومتآكل، ربما كانوا مترابطين ومتماسكين عندما كانوا مضطهدين ومطاردين، وهذا أمر طبيعى فى كافة التنظيمات والحركات السياسية، لكن ما إن انطلقوا على الساحة بحرية وثقة وبلا خوف من أية قيود حتى انكشف ضعفهم ومشاكلهم وصراعاتهم وأهواؤهم.
أعتقد أن الإخوان المسلمين فى مصر لو استمروا على هذا الحال الذى هم عليه الآن فى المرحلة المقبلة، فإن سقوطهم قادم لا محالة، ولا أقول أنهم لن يبقوا فى البرلمان أو فى السلطة دورة أخرى، بل لا أعتقد أنهم سيكملون الدورة الحالية، فالشارع المصرى فى حالة غليان مستمرة، ولدى مئات الآلاف من ثوار 25 يناير إحساس متنامى بوجود مؤامرة كبيرة خفية على الثورة أطرافها من هم فى السلطة جميعا الآن، وهو الأمر الذى سوف يتضح فى انتخابات الرئاسة القادمة.
وأخشى ما نخشاه أن يتصور المتآمرون فى الخفاء أن الثورة انتهت ولن تعود، أو أنهم يستطيعون تحقيق ما يريدون بالتآمر والخداع أو باستغلال النزعات العاطفية أو الدينية، ومن الجهل أن يتصوروا أن الثوار لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة وسط الشعب، فمن المعروف أنه عند قيام الثورة يصبح الثوار وحدهم دون غيرهم هم الشعب كله بملايينه، وهذا ما حدث فى 25 يناير، وأسقط النظام الذى كان أقوى بكثير من كافة المتآمرين الحاليين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة