السلطات السعودية تلقى القبض على أحمد الجيزاوى.. سار الخبر سريعا فى طرقات مواقع الإنترنت ووسائل الإعلام والشوارع وكأنه سيارة 128 بدون فرامل، ولم يصحبه أى تقرير أو بيان معلوماتى توضيحى سواء من الجانب المصرى أو السعودى للإجابة على أسئلة هامة من نوعية: ماذا فعل الجيزاوى؟ وماهى عقوبته؟ وماهى أجواء وتفاصيل عملية القبض عليه؟ وكيف يمكن التواصل معه وضمان معاملة كريمة له فى السجون السعودية؟
لم يخرج مسؤول واحد سعودى أو مصرى ليعلن للناس تفاصيل من هذه النوعية التى تقتل الفتنة قبل استيقاظها، وتسكب الكثير من الماء على الشرر الكامن أسفل الرماد، حضرت العادة العربية الأصيلة التى لا تعترف بحق المواطن فى المعرفة والاطلاع على التفاصيل، وغاب صوت العقل وحسن إدارة الأزمات، فكان طبيعيا أن ينفجر الموقف ويشتعل ويصل إلى حيث ما نحن فيه الآن.
الوضع الآن يبدو طبيعيا جدا استنادا على ما شهده من مقدمات، ولكن غير الطبيعى هو الميل المصرى إلى حالة الفحش والبذاءة التى تسيطر علينا طوال الشهور الماضية، وأصبح معتادا أن تتحول خلافتنا الفقهية والفكرية والسياسية أو حتى المفتعلة إلى «مشتمة» كبرى يستخدم فيها الشباب أو المتظاهرون كل أنواع السخرية «الأبيحة» والتجريح الذى لا يعرف للأدب والاحترام أى طريق، وذلك على العكس تماما من مقولة الشيخ الغزالى رحمه الله: «الحرية المطلوبة حدها الأعلى أن نتمكن من قول الحق لا أن نتمكن من التطاول والبذاءة»
لا أحد فى مصر ضد انتفاضة التظاهر الباحثة عن كرامة المصريين فى السعودية، ولا أحد ضد التظاهر أمام السفارة السعودية أو غيرها من السفارات التى لا تحترم بلدانها كرامة المواطن المصرى، ولكن فى نفس الوقت لا أحد يعرف لماذا تحولت المظاهرة التى تطالب بحق الجيزاوى وحق المصريين إلى «مشتمة» ووصلة ردح وتجريح.
هل أصبح صعبا على المصريين أن يتظاهروا بدون قلة أدب وشتائم؟!هل أصبح صعبا على المصريين أن يطلبوا حقوقهم دون أن يرفعوا أحذيتهم، أو يهينوا المواطن السعودى باستخدام شعارات البداوة والتذكير بكرامات مصر فى الزمن الماضى؟ هل سيفرح أى متظاهر بما كتبه من بذاءات على سور السفارة السعودية حينما يعود إلى بيته ويكتشف أن السبب الذى خرج من أجله وهو الدفاع عن الجيزاوى ضاع بين أكوام الشتيمة والبذاءات.
أفهم أن ثلاثين عاما من الكبت والقمع والإخراس الجبرى، قد تدفعنا إلى التظاهر بأعلى صوت، والصراخ بكل ما تملكه أحبالنا الصوتية من طاقة ومن رغبة فى تعويض ما فات، ولكن لا أفهم أبدا أن يكون الفحش والبذاءة هو طريقنا لطلب حقوقنا، لا أفهم كيف يستحل هذا الشعب أعراض خصومه والمختلفين معه وهو الذى يقف بالآلاف داخل المساجد والكنائس باكيا خاشعا طالبا الرحمة من ربه.. واصفا نفسه بأنه الشعب المؤمن الباحث عن تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، بينما النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذىء».
لا تتركهم يقودونك إلى حيث يريدون، مثلما حدث أمام السفارة السعودية أو وزارة الدفاع، لا تتركهم يشوهون صورة المواطن المصرى وسمعته، ويدفعونك للتنفيس عن غضبك بالشتائم والسخرية الجارحة حتى تنسى قضاياك الهامة، وتضيع أحلامك فى مستقبل أفضل وسط وصلات الردح التى لن تصل بك أو بنا إلا إلى ما تراه فى الحوارى الضيقة حينما تشتعل معارك النساء والرجال بسبب أحاديث «المصاطب».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة