قد تكون السياسة مهلكة وتمتلئ بالقاذورات، ولا تصلح رداء لأصحاب الضمائر البيضاء والقلوب العامرة بالزهد، وقد تكون أيضا وسيلة سيئة تبررها الغايات النبيلة، أو لعبة الفائز فيها هو الأكثر تلونا، والأقدر على التنصل من وعوده السابقة، لكنها لم تكن على مدى التاريخ سببا لكى يتقاتل المصريون فى الشوارع، أو تسقط دماءهم غدرا بسبب مطامع لأشخاص ارتضوا لأنفسهم التسليم بقواعد اللعبة السياسية، وحينما لم تتماشَ النتائج مع هواهم انقلبوا عليها وعادوا لسيرتهم الأولى بأنها رجس من عمل الشيطان، بل وأسوأ من ذلك أنهم لجأوا لحيلتهم الرخيصة باستغلال تعلق قلوب بعض الناس بهم ليجعلوهم وقودا فى حرب يدفع ثمنها الوطن، ويجنى أرباحها أفراد ناقصو الوطنية.
أنا هنا لا أتحدث عن حازم صلاح أبوإسماعيل وأنصاره فقط، ولكننى أقصد الآفة التى أصابت كل طالبى الزعامة فى مصر، والشعيرة التى أصبحوا يؤدونها صباح مساء، وتحمل فى سياقها تقليلا من قيمة العقل البشرى وحق التفكر والتدبر.. عن السمع والطاعة أتحدث.
ودون الدخول فى أى جدل حول الخلفية الدينية لمبدأ السمع والطاعة، فالموضوعية تقتضى الاعتراف بأن انعدام البصيرة والجهل وردود الفعل العاطفية إذا اجتمعت مع هذا المبدأ فى قلب رجل واحد، تتحول لدروشة وتطرف وانحراف، ليس فقط فى الأصولية الدينية، ولكن أيضا فى تيارات أخرى وأمور مختلفة ربما فى غير الدين والسياسة أيضا، فهؤلاء الذين تجمعوا أمام منزل مرتضى منصور واشتبكوا مع الأهالى ورجال الأمن لمنعهم من تنفيذ القانون، ربما ألغيت عقولهم لصالح تعاطفهم مع منصور ضد ما يعتبرونه ظلما تجاهه أو ربما لأسباب أخرى، دونما أن يفكروا ولو للحظة فى ضرر هذا السلوك عليهم بشكل شخصى فيما بعد، فلو تعرض أحدهم للظلم ممن له أنصار وأتباع، فقد لا يستطيعون رد الظلم باللجوء للقانون، وحينئذ لن يكون مرتضى منصور فى صفهم.
حتى هؤلاء الذين يتعصبون لفرقهم الرياضية، ويكونون الروابط ويخترعون الأسماء لها، ويدافعون عن نجومهم بالحق والباطل، تقودهم أيضا الطاعة العمياء للفكرة والسمع الأحمق لنداء التوحد خلف شىء خلق أصلا لكى يجمع الناس لا أن يفرقهم، وأصحاب تلك الائتلافات التى تسير خلف من تقتنع به ظالما أو مظلوما، وترفض أن تستمع لغيره أو تعطى بدائل منطقية، هى الأخرى تمارس الإفراط نوعا ما فى الشك بأن خلف كل حدث مؤامرة، وكل جملة عابرة نية خبيثة تقودها.. ليس مطلوبا منا أن نتخلى عما نؤمن به، فقط علينا أن نُعمل العقل ولو قليلا، لمراجعة النفس وتنقية الأفكار مما علق بها من الهوى، ونعطى مساحة للتراجع عن الخطأ وتبعاته، لكن إذا وجدت أحدهم يحقر من عقله، ويرفض تشغيله بدعوى الخوف من الوقوع فى فخ الجدل والسفسطة، فهذا تترك حبله على غاربه، وتدعو الله أن ينر بصيرته ويقيه من نفسه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة