البحث عن مادة للذعر، عن حجة لانتظار فشل يتصور الضعفاء غير القادرين على الحلم أنه مؤكد، هو النشاط المفضل لهؤلاء الذين يعلنون إيمانهم بالمستحيل، لكنهم فى قرارة أنفسهم يؤمنون باستحالة تحققه!، يبحثون عن كل ما يمكنه أن يوقف تدفق أحلامهم بدأبٍ شديد، ربما هم لا يصدقون أن الأحلام قابلة للتحقق إذا صدقناها بحق وحاربنا لأجلها بكل الطرق.. لايأس مع الحلم أبداً، وهؤلاء تتحقق مخاوفهم لأنهم أضعف كثيراً من أن يمنحهم القدر فرصة النجاة بحلمٍ هم غير قادرين على تحمل تبعاته.
لا.. لن نكون جميعنا خالد سعيد.. لن نكون جميعنا ضحايا للبطش، ولا ألف مرة لمثل هذهِ المقولات حتى لو جاءت على سبيل السخرية أو التنكيت، فذلك يترك فى النفسِ أثراً يُرَسِخ للخوف وقلة الحيلة، لنجعلها أن الراحل كان آخر الضحايا، وأن الشهداء أبرار عند ربهم وأننا سنصون دماءهم بتحقيق النصر لا باللحاق بهم أو «الندب» عليهم، إن خِطاباً يشحن الهمم ويشعل الحماس، هو تماماً ما نحتاجه الآن، فى هذهِ اللحظة الحاسمة بحق، فاستسهال الانسياق للظلم بادعاء قلة الحيلة، هى وسيلة تراجيدية للهروب، تليق بأبطال رواية يعرفون أنهم فى النهاية سينامون على صفحاتها، بأبطال مسرحية ملحمية يعرفون أنهم سيعودون بعد انتهاء العرض إلى بيوتهم يستمتعون بدفء أَسِرَّتهم، لا ببشرٍ يُفتَرض بهم البحث عن حياة كريمة، ولا بمناضلين يفترض بهم القتال لأجل الحياة الكريمة للجميع، ولا بنخبة يُفترض بها أن تكون طليعة وطن لا «حانوتى» لأحلامه.
لو أنها ثورة، يعنى ذلك بكل تأكيد أنها ستستمر، يجب أن تستمر فرض عين لا اختيار، ولا موقف سياسى ولا حتى اختلاف فى وجهات النظر، أياً من كان الحاكم القادم، وأياً ما كانت اللعبة أو كانت الصفقات، فالتحديات ستظل نفسها تقريباً: الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وإعادة بناء وطن عظيم تم تجميده طويلاً تحت جليد مصالح الفاسدين كلهم.. لا أستثنى منهم أحداً.
لو أنها ثورة حقيقية، فتحدياتها الأكبر لا تزال قائمة، ومعاركها الأكبر لم تأت بعد، والاشتباك المستمر والواعى والناضج والواضح المحدد الأهداف، هو السبيل الوحيد والمنطقى لتحقيق أي من أهدافها، لا الانسياق وراء معارك «سيزيفية» تستهلك أعمارنا وفى النهاية لا تسمن ولا تغنى من جوع ولا تحارب عن وطن.
كل معارك بناء الأوطان وترسيخ الديمقراطية متشابهة، ذلك أن القمع لا دين له.. ولا ذمة، والسياسة أيضاً لا دين لها.. ولا عهد، «المصلحة» هى نفسها المصلحة فى كل وطن وكل عهد وتحت أى حكم، «المصلحة» هى دين من يعمل بالسياسة فى كل زمان ومكان، ولو أن البلدان تُحكم بالهوى، ولو أن الثورات تنجح بالتمنى «ماكانش حد غُلب».
حمل الروح على أكف الثوار، هو عمل نبيل وصادق، لكن المحارب يجب أن يرسم خطته قبل الانطلاق إلى الحرب، فهو فى الأغلب لن يعود فماذا ينتظر من خرج من بيته وترك عمله كى يغير نظام الحكم؟، هل كان يتصور أنه ذاهب فى رحلة خلوية؟ أم حفلة ترفيهية؟، من يخرج لأمرٍ كهذا لابد أنه ودع روحه قبل أن يخطو الخطوة الأولى، فى أى زمن كان وأى مكان، لذا فإن المقابل يجب أن يكون الحياة لمصر والحرية لشعبها، مصر الحقيقية.. لكن من يعرفها؟، من زار نجوعها وسمع لهجات قراها؟، من جمع معلومات كافية عن الفقر والحاجة، وما يفعلانه فى أهلها الطيبين؟، من جلس معهم يشرح لهم معنى مانشيتات الصحف؟، من قدم لهم إعلاماً يخدمهم ولا يخدعهم ويحولهم إلى مادة مجرد مادة فى صفقة قذرة؟، من آمن أن المعركة معركة بقاء لا معركة انتصار وحسب؟!.
صدقونى.. المعركة لا تزال مستمرة طويلاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة