على الرغم من الدهشة التى أصابت المجتمع كله جراء التطورات المتسارعة الناجمة عن انزلاق جماعة الإخوان المسلمين ناحية الاستحواذ على الدولة المصرية والاستئثار بها فى أجواء أقل ما توصف به أنها متوترة للغاية، وتعكس فقدان الرشد والاتجاه خلال الأسبوعين الماضيين.
إلا أن الأكثر دهشة وإثارة للحيرة تصريحات السيد/ محمد بديع الأخيرة، والتى نشرتها صحيفة الأهرام اليوم فى صفحتها الرابعة، والتى يلفت فيها نظر الإعلام لما أسماه "الهجمة الشرسة على اختيار مجلسى الشعب والشورى للجنة الـ100، والتى ستتولى عمل الدستور" وليته صمت لكنه واصل بإطلاق تحذيره للإعلام " حسب توصيف محرر الخبر" قائلا "يجب أن يهدأ – الإعلام – فالمكر السيئ لا يحيق الا بأهله" انتهى الاقتباس.
"المكر السيئ" هكذا اعتبر مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين نقد الإعلام لسياسات جماعته، مضمون النقد ليس إلا "مكر سيئ" وكأن نقد سياسته وأنصاره "مكر سيئ" وكأننا صحفيون وإعلاميون لا يحق لنا أن ننقده وجماعته وإلا اعتبرنا نمارس "المكر السيئ".
لا أدرى أى أدبيات سياسية تلك التى تعتبر نقد سياسات الأكثرية "مكر سيئ" إلا إذا كانت ترى فى النقد أصلا "رجس من عمل الشيطان"، ولا أعلم أى "مكر سيئ" فى الحقيقة هل هى سياسات الجماعة التى أثارت الغبار والأعاصير فى لحظات صمت للاستحواذ على الوطن وإقصاء كل مخالفيها الرأى مرة واحدة لتكتب دستورها وتلزم به الوطن وتقود من خلاله الأمة تحت مزاعم الديمقراطية، أم هو"المكر السيئ" من يرفض هذه السياسات احترامًا لهذا الوطن والتزاما برؤية وطنية توافقية تقوم على المشاركة وليس الإقصاء أو التهميش فى إطار دولة مدنية.
الحقيقة أيضًا أنا لا أفهم كيف أستعصى على السيد محمد بديع فهم حقيقة، وأسباب هذه الهجمة المجتمعية الشاملة على تشكيل تأسيسية الدستور، واعتباره أنها هجمة شرسة تتم فى إطار مكر سيئ يقوم به الإعلام ويحذره أنه "المكر السيئ" لا يحيق إلا يأهله.
مما يحذر السيد محمد بديع الإعلاميين ومنهم نحن الصحفيين؟؟ هل ينذر بأن هؤلاء المعارضين لسياساته فى تشكيل التأسيسية لن يجدوا مكانا تحت شمس دولة الإخوان فى الإعلام أو الصحافة؟؟ وهل هو يحذر الصحفيين ضمن الإعلاميين بالتوقف عن الكتابة وتوضيح الأمور للمصريين عن خطورة إقدام الإخوان على ما فعلوه حتى لا ينقلب المكر السيئ عليهم ويدفعون ثمنًا من الأفضل أن يصمتوا بدلا من سداده.
المرشد العام السيد محمد بديع مطالب بأن يوضح فورا مغزى ومعنى تصريحه للصحفيين بأن حملاتهم ومواقفهم "مكر سيئ لا يحيق إلا بإهله"، وهل هناك صلة بين ما قاله وبين رئاسة جماعته للمجلس الأعلى للصحافة، وما يتردد عن اتجاههم لتغييرات تذهب إلى حدود الانتقام من المؤسسات القومية.. حسبما بدا فى تعليقات غاضبة انطلقت من بعض الأعضاء فى جلسة الشورى، التى تقرر فيها تأجيل كل الإجراءات ذات الصلة بالتغييرات الصحفية.
فى حدود عملى بالصحافة منذ أكثر من 25 عامًا هاويًا أو محترفًا لم أصادف تصريحًا مثل هذا إلا واعتذر صاحبه عنه تحت وطأة غضبة الصحفيين فى ظل قيادة نقابية حكيمة ملتفتة لشأن الصحفيين وتعرف قدرهم ولا يمكن أن تصمت عن مثل هذه تصريحات قدر ما تطالب صاحبها بالاعتذار.
للسيد محمد بديع قدره ومكانته فى المجتمع وفى نفوس قطاع ليس بالقليل بين المصريين هذا مؤكد، لكن فى الوقت ذاته للإعلاميين ومنهم نحن الصحفيين مكانتنا أيضًا فى ضمير المجتمع ولنا احترامنا لدى كل القوى السياسية، وأثق أن غالبيتنا الساحقة لا تقبل تهديدًا ولا وعيدا ولا تحذيرًا.
الأمر الآن ليس خلافًا على تأسيسية الدستور ولا على مضمون الدستور.. هو ليس خلافا سياسيا وإنما خلاف على احترام المهنة وقواعدها وحرية العاملين فى بلاطها للتعبير عن الرأى دون خضوع أو خوف من تهديد أو وعيد أو تحذير.. ووضع الأمور فى نصابها، وحمايتها من أية محاولات للتسفيه منها أو تحويلها إلى طرف قابل لتغيير مواقفه بالوعيد والتحذير.. المسألة أن النقابة مطالبة بالرد الفورى واستجلاء الأمر.
أعتقد أيضًا أن رئيس مجلس الشورى د. أحمد فهمى.. وقد سمعت من بعض من التقاه أنه شخصية محترمة رفيعة الخلق تنأى بنفسها عن الخطأ.. أعتقد أنه مطالب بصفته رئيس المجلس الأعلى للصحافة أن يتبنى تدابير تصحح الموقف وتحفظ على الإعلاميين وفى مقدمتهم الصحفيون كرامتهم وتحمى أقلامهم من محاولات التخويف والتهديد.
على هامش المقال.. استشهد السيد بديع بالمغرب فى سياق حديثه عن أحقية الأغلبية "الأكثرية" فى البرلمان تشكيل الحكومة.. لا أدرى لماذا لا يستشهد بتونس ورفض الإخوان هناك (حركة النهضة) النص فى الدستور على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة