أصدر مشروع "كلمة" للترجمة التابع لهيئة أبوظبى للسياحة والثقافة، الترجمة العربية لكتاب بعنوان "قبعة فيرمير: القرن السابع عشر وفجر العولمة" من تأليف المؤرخ البريطانى المتخصص فى تاريخ الصين تيموثى بروك، وقد صدرت طبعته الأولى بالإنجليزية عام 2008 ونقله للعربية الدكتور شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة المصرى.
وفى هذا الكتاب ينتقل مؤلفه بنا من الفن إلى الحياة، ومن الحياة إلى الفن، من الفن الذى فى الحياة: تجارة اللوحات والخزف والفراء والمنسوجات وغيرها، إلى الحياة التى فى الفن: صناعة السفن، وتجارة التبغ، وعمليات التبادل الثقافى، والحروب والصراعات الكبرى التى دارت هنا وهناك، والتى استهلت الحقبة الاستعمارية الكبرى فى تاريخ البشرية، والتى رصدها الفن أو سَجَّلَ آثارها المتناثرة، هنا وهناك.
عاش الفنان الهولندى الشهير "فيرمير" (31 أكتوبر 1632 – 16 ديسمبر 1675) خلال القرن السابع عشر، وهو قرن كان يموج بكثير من التغيرات الضخمة، وقد جسد "فيرمير" كثيرًا من هذه التحولات والتغيرات فى لوحاته، واستعان فى هذا التجسيد بتقنيات الخداع البصرى والغرف المظلمة، والتى كان رائد الإبداعات الخاصة بها العالم والفيلسوف المسلم الحسن بن الهيثم (965-1039)، حيث تمتلك صور "الغرف المظلمة" "ذات الجودة" المعقولة "إحساسًا" بصريًا خاصًا، وتنتج أو تحدث إحساسًا مكثفًا بالنغمة واللون، وتقدم تكثيفًا مرهفًا دون خشونة أو بهرجة أو زخرفة مصطنعة. كما أن الفروق الطفيفة بين الضوء والظل فيها، والتى تبدو منتشرة جدًا، وغير مدركة لضآلتها، بحيث يصعب تسجيلها فى المشهد الأصلى، تصبح هنا - بواسطة الغرف المظلمة - واضحة، كما تكتسب التأثيرات النغمية للألوان درجة جديدة من التماسك، وقد تجلى ذلك كله فى أعمال فيرمير الذى قيل إنه استخدم هذه الغرف المظلمة للكشف عن بعض الخصائص البصرية المميزة التى تكون أقل وضوحًا، أو غير واضحة فى الطبيعة والإبراز لها.
ويستعرض المؤلف عبر فصول هذا الكتاب بدايات العولمة من وجهة نظره، كما تجسدت من خلال لوحات الفنان فيرمير، ومن خلال الأشياء التى توجد فى هذه اللوحات كالفضة والقبعات والكؤوس وأطباق البورسلين والخرائط وغيرها ومن خلالها يرصد –خارجها- التاريخ، كما يتجسد فى الرحلات البحرية والحروب التى دارت بين الأمم فى الشرق والغرب، وغير ذلك من الموضوعات. هكذا يقول مؤلف هذا الكتاب: "إننا عندما نتجول بأعيننا فوق لوحات فيرمير، نبدو وكأننا ندخل عالماً حيًا يزخر بالبشر الحقيقيين الذين تحيط بهم الأشياء التى تضفى معنى خاصًا بوجودهم فى بيوتهم أو موطنهم الأليف وتحمل الشخصيات أو الأشكال الملغزة الغامضة فى اللوحات أساراً لن نستطيع معرفتها، وذلك لأن ذلك هو عالمهم وليس عالمنا، لكن فيرمير رسم هذه الشخصيات بطريقة يبدو أنها تمنحنا الإحساس بأننا دخلنا إلى مكان حميم حيث كل شىء "يبدو" كأنه كذلك".
ويطرح المؤلف تساؤلاته الخاصة به من خلال فحصه للوحات، أو بالأحرى، على نحو دقيق، الأشياء – أو الموضوعات- الموجودة فى اللوحات. وهو يطلب منا تعليق بعض عاداتنا التى اكتسبناها عندما نقوم بالنظر إلى الصور، ومن أبرز هذه العادات ذلك الميل نحو اعتبار اللوحات نوافذ مفتوحة على نحو مباشر على زمان آخر ومكان آخر، فمن الوهم المضلل كما يقول أن نعتقد أن لوحات فيرمير هى صور مأخوذة على نحو مباشر من الحياة فى القرن السابع عشر فى دلفت. فاللوحات لا "تؤخذ" (أو تلتقط) كما هو حال الصور الفوتوغرافية، اللوحات "تصنع" على نحو متسم بالعناية والتروى، وليس الهدف منها أن تقدم واقعًا موضوعيًا بقدر ما يكون الهدف من ورائها أن تقدم عرض سيناريو خاصًا. وهذا الاتجاه هو الذى يؤثر على الطريقة التى ننظر من خلالها إلى الأشياء/ الموضوعات الموجودة فى اللوحات، فعندها نعتقد أن اللوحات أشبه بنوافذ، ومن ثم يقول لنا "تيموثى بروك" إننا ينبغى أن نتعامل مع الموضوعات (الأشياء) الموجودة فيها على أنها تفاصيل ذات بعدين تكشف عن أنه، إما أن الماضى كان مختلفًا عن ما نعرفه اليوم أو أنه هو نفسه كما نعرفه اليوم، أى وكما لو كانت هنا صورة فوتوغرافية قد التقطت له.
ولد تيموثى بروك عام 1951 فى تورنتو، بكندا، عام 1951، وهو مؤرخ متميز له العديد من الكتب والبحوث العلمية المهمة التى يدور معظمها حول تاريخ الصين. تبوأ العديد من المناصب الأكاديمية والجامعية منها: أستاذ كرسى الدراسات الصينية بجامعة أكسفورد وأستاذ ومدير كلية القديس جون بجامعة كولومبيا البريطانية ومدير برنامج دراسات التبت المعاصرة فى الجامعة نفسها – معهد الدراسات الآسيوية، وله عدد كبير من المؤلفات المهمة حول المجتمعات الآسيوية وحول التاريخ والاقتصاد والسياسة والتجارة الدولية الخاصة بهذه المجتمعات منها على سبيل المثال: الصلاة من أجل السلطة: البوذية وتكوين مجتمع الطبقة العليا فى الصين فى أواخر عهد أسرة المنغ 1993، فوضى المتعة: التجارة والثقافة فى الصين فى عهد أسرة المنغ 1998.
وشاكر عبد الحميد وزير الثقافة المصرى وأستاذ علم نفس الإبداع بأكاديمية الفنون وشغل منصب نائب رئيس أكاديمية الفنون وعميد المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون، والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. ويشغل فى الوقت الحالى (ديسمبر 2011) منصب وزير الثقافة فى جمهورية مصر العربية. وقد حصل مؤخراً على جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الفنون عن كتابه "الفن والغرابة"، وألّف أكثر من عشرين كتابًا أهمها: "الطفولة والإبداع"(فى خمسة أجزاء) هم: "الأدب والجنون"، "الأسس النفسية للإبداع الأدبى للقصة القصيرة"، "العملية الإبداعية فى فن التصوير"، "التفضيل الجمالى"، "الفكاهة والضحك"، "عصر الصورة"، "الخيال".
وترجم أكثر من ثمانية كتب أهمها: "بدايات علم النفس الحديث"، "الأسطورة والمعنى"، و"الدراسة النفسية للأدب"، و"المنهج الإثرائى المدرسي"، و"معجم السيميوطيقا أو علم العلامات"، و"العبقرية والإبداع و القيادة"، و"سيكولوجية فنون الـداء".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة