الفن رايح فين؟!، ثلاث كلمات أسرتنى وجعلتنى أعيد ترتيب عشرات الافتراضات والاحتمالات، الأمر خطير، بل أننى لم أكن أتخيل أن يصل إلى هذا الحد.. الذى تجاوز كل شىء.. فى الشهور الأخيرة ووسط انفلات فى كل شىء فى وطننا مصر.. فوجئت بخبر الحكم بحبس الفنان الكبير عادل إمام بتهمة ازدراء الأديان «..!!» وقرأت الخبر مرات وأنا أكذب عينى وأطعن فى ذاكرتى.. وقلت فى نفسى: هل وصلنا إلى هذا الحد؟!.. هل أعدنا بأنفسنا محاكم التفتيش لكى تكون شاهدة على ما نحن عليه.. القضية ليست بهذه البساطة وسوف تمتد لتطاردنا فى كل تصرفاتنا.. فهل علينا الآن أن نرسم خريطة جديدة للفن هى الخريطة البديلة؟!، أم أنها ستكون خريطة ناسفة لكل ما هو قديم؟! وهل بهذا الأسلوب سنكون قد محونا ماضيا كان بالنسبة لنا هو أحد الأمجاد.. وكان من حقنا أن يستمر هذا المجد ليكون شاهد إثبات على حضارة راقية. سريعاً يحاول هكذا أصحاب المصالح تنفيذ خططهم فى وضع الفن خلف القضبان، أو على الأقل فى نفى الفن أو تصحيره وتجريده من خضرته ونضارته.. الفن المصرى الذى هو حجر الزاوية فى الفنون العربية جمعيها.. الحقيقة أننا لابد أن نفيق من غفوتنا وأن نستيقط على ما نحن عليه.. لا أن تستبد بنا الأوهام.. كنت من أشد المتحمسين لمسيرة نجوم الفن والأدب والثقافة التى قادها كبار فنانينا حسين فهمى ومحمود ياسين وغيرهما.. أثناء افتتاح الدورة البرلمانية لأول مجلس للشعب منتخب بعد ثورة 25 يناير 2011، كانت مسيرة الفنانين تؤكد أن الفن حضارة، وليس مجرد ترفيه أو مظهرية أو فراغ اجتماعى، الفن هو المجتمع بكل ما فيه من مؤشرات للصعود والهبوط، وهو تاريخ وترمومتر لحالنا، وليس من المعقول أن نسمح بتقييده ووضعه خلف الأسلاك الشائكة، وأن القيود هذه سوف تدمره على مدى سنوات بسيطة، فالقضية لا تحتمل السكوت أو الانتظار، ويكفى أن مسيرة الفن المصرى قد تراجعت كثيراً منذ عام كامل وأكثر من انداع الثورة المصرية التى آمن بها الفن وشارك فيها ودعمها وكان أحد رموزها وملامحها الأساسية، بل إن الفن سجل الثورة فى أعظم حالاتها فى أكثر من عمل سينمائى ودرامى ومسرحى وغنائى ونترقب الكثير.. وليس من المعقول نفى هذا الفن والحجر عليه. إننا فى وضع خطير وصعب، والعراقيل تحيط بالفن المصرى من كل جانب ما يجعلنا نقول بأعلى صوت: الفن رايح فين؟!.. وهل خبر حبس عادل إمام أحد هذه العراقيل أم أنه جرس إنذار؟! أم أنه تهديد مباشر لفنان كبير أرفض أن يطلق عليه الفنانون والنقاد: الزعيم.. فهو ليس مجرد لقب ولكن هو قناعة بوضعه وقيمته وتاريخه. عادل إمام صنع عمره من بداياته الأولى وصعد إلى سلم الفن من الصفر خطوة خطوة، وبكفاحه تدرج حتى كانت أفلامه النقدية المهمة وأعماله التى تتسم برؤية طليعية جريئة.. قدم عادل إمام الكوميديا فى ثوب السياسة وقدم السياسة فى ثوب التهكم على واقع كنا نعيشه وكان هو حادًا لا يوارى ولا يخاف ولا يتراجع.. قدم عادل إمام «الإرهاب والكباب» و«اللعب مع الكبار» و«حب فى الزنزانة» و«السفارة فى العمارة» وغيرها.. وهى أعمال ترقى لمستوى الخلود.. بل لاننسى مسرحيته «الزعيم» وهى التى تسجل فيما تسجل نقداً سخياً لأوضاع عشناها طوال سنوات طويلة ونتمنى ألا تعود.. حيث شخصية الزعيم الديكتاتور وكانت إحدى العلامات الفارقة التى تؤرقه، لأن الفن عند عادل إمام هو حرية مطلقة لا تقبل الجدل.. وهو فى كل الأحوال يقدم لنا هذا الفن فى شكله المثالى بعيداً عن المتاهات.. اليوم نفاجأ بخبر بحبس عادل إمام لأنه يزدرى الأديان.. وهو اتهام يدهشنا.. فمن متى والزعيم يحارب الأديان أو يسخر منها، هو يقدم فى طيات عمله الفنى رفضاً للجمود العقلى بعيداً عن السخرية.. سيبقى عادل إمام زعيماً للفن وستبقى أعماله راسخة وسنقف جميعاً فى وجه من يزعم أنه ضد الأديان وأن أعماله تزدرى الأديان وسنقاوم سجن عادل إمام لأن الخبر لا يليق بتاريخ عادل إمام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة