مرت علينا منذ أيام ذكرى ميلاد رجل سخر حياته لمشروع إصلاحى وطنى، ورفض الخضوع والذل، وكان من الثوار الذين أسسوا للمعانى الحقيقية للثورة الشاملة، إنه مجدد شباب الإسلام وإمام المجاهدين فى العصر الحديث الإمام حسن البنا، فالرجل منذ نعومة أصابعه ثار على واقعه الذى سيطر عليه الإنجليز فى مصر، واليهود فى فلسطين والملكية المستعبدة للمصريين، والفساد القيمى والأخلاقى.
لذا وجدناه فى ريعان شبابه يحمل هم الأمة، ويسعى لتجميع المخلصين لدينهم ووطنهم فى تجمعات إصلاحية بدأت بالجمعيات الأهلية، وانتهت بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين، مستمدا منهاجه الإصلاحى من هدى الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، ومستنيرا فى جهاده بالنماذج المنيرة فى تاريخ أمتنا، أمثال الخلفاء الراشدين وصلاح الدين وسيف الدين قطز وغيرهم من كوكبة الأمة، الذين صمموا على إخراجها من تيه التبعية للأعداء، والغرق فى مذلة الاستجداء منهم، إلى أمة قوية تغزو ولا يستطيع غزوها أحد.
وقد فطن الرجل أن مشروعه الإصلاحى، لابد أن يكون له محوران من أجل تحقيق أهدافه، المحور الأول التدرج فى تكوينه، والثانى حسن تربية الرجال الذين سيتبنون المعانى الإصلاحية، لذا وجدنا الإمام البنا يتدرج فى بناء مشروعه، حيث جعل أول لبنة له الفرد الصالح فى دينه العاشق لوطنه، ثم الأسرة التى تغرس قيم هذا المشروع الشامل لمعانى الإصلاح الدنيوى والأخروى، ثم المجتمع الذى يتبنى هذا المشروع، ثم تأسيس الحكومة الوطنية التى تتصدى بكل قوة لأى فساد سواء سياسى أو اقتصادى أو أخلاقى والمحكمة لشرع الله والمدافعة عن الأوطان والذى تسعى لتحريره من كل ذى سلطان جائر، ثم إحياء فكرة التكتل الإسلامى الكبير المتأسى بالخلافة الإسلامية، الجامع للأمة على وحدة عربية وإسلامية يتكامل بعضها البعض، مكونين قوة اقتصادية وسياسية تؤثر فى العالم وتتحرر من كل الضغوط، ويكون قرارها من معطيات مصالحها فقط، مما يمهد لتحقيق هدفه الأخير بأستاذية العالم ورسم خريطة لنظام عالمى جديد تكون أمتنا هى الرائدة فيه، والقائدة لباقى الأمم، وأرى أن هذه الأهداف، بإخلاص البنا لربه ثم لوطنه، وتفانى أبناء دعوته الإصلاحية الذين نهلوا من فكره، وكانوا محور اهتمامه وصلت لمرحلة الحكومة، وإن شاء الله أرى أنها ستواصل السير لتحقيق كامل الأهداف.
وعلم البنا أن هذه الأهداف النبيلة سيكون لها فاتورة كبيرة سيدفعها المخلصون من أوقاتهم وأموالهم بل ستصل للتضحية بالنفس، كما حدث معه عندما اغتالته يد الغدر والديكتاتورية، لذا ربا شباب دعوته على التجرد والإخلاص لله ثم الوطن.
إن البنا وأمثاله فى تاريخ أمتنا أقمار استضاءة بشمس النبوة، وتفانوا فى رفع راية الأمة، وعلينا ألا نقف عند تكريمهم فقط، ولكن علينا السير على دربهم مترفعين عن مغانم المناصب، وزخرف الكراسى، مستعدين بالجود بالأنفس، حتى يحيا شعبنا وطننا فى عزة وكرامة ويعود لنا الريادة العالمية من جديد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة