لا يكفى أن يقول نائب الرئيس المستشار محمود مكى، إنه علم من الرئيس تفاصيل المؤامرة التى تتعرض لها البلاد وسيتم الكشف عنها قريبا، فهو رجل قانون ويعرف جيدا أن الجرائم لا تُوخذ بالنوايا أو الشبهات، وإنما بالأدلة القوية والبراهين القاطعة، ورغم الإفراط فى الحديث عن تلك المؤامرة ، إلا أنها لا تزال افتراضية وكلامية ولم تأخذ طريقها إلا جهات التحقيق، وكان ينبغى - إذا كانت موجودة بالفعل - أن يتم التكتم عليها حتى تنتهى التحقيقات، ثم يعلن نتائجها النائب العام وأسماء المتهمين فيها والأفعال المنسوبة إليهم، فهذا حق أصيل مقصور على النائب العام، وليس رئيس الجمهورية أو أى شخص آخر.
ولا يكفى أن يردد المهندس خيرت الشاطر نفس كلام المستشار مكى وقبله الرئيس، مضيفا أن لدى الجماعة تسجيلات للمؤامرة، فمثل هذا التصريح يقوض البقية الباقية من دولة القانون، التى تقضى بسرية التحقيقات وتحظر إفشاءها وتضع ضوابط صارمة على تسجيل اللقاءات والمكالمات وتقصر ذلك على إذن القضاء ولفترة زمنية محددة، وغير ذلك انتهاك للحريات الشخصية وحقوق المواطنين فى الخصوصية، ويعتبر فعلا مجرما يستوجب عقاب مرتكبيه، والأهم من ذلك هو ما هى نوعية تسجيلات الشاطر وكيف تحصل عليها وما محتواها وفحواها، وهل هى رسمية ونما إلى علمه أسرارها، أم خاصة وتمت خارج إطار القانون، وفى الحالتين توجد مشكلة.
ولا يكفى أن يبرر المتحدثين باسم الإخوان والحرية والعدالة ما يتم اتخاذه من قرارات على ذمة المؤامرة، بأن الرئيس يعلم مالا نعلمه ويدرى بما لا ندرى، فعلى صدى هذه المؤامرة التى لا تزال افتراضية حتى إشعار آخر، صدر الإعلان الدستورى المعيب الذى شق الصف وشتت الرأى، وتم حصار المحكمة الدستورية العليا خوفا من أحكام مباغتة، وتحاصر الحشود الغاضبة مدينة الإنتاج الإعلامى لتطهيره من المتآمرين، وغير ذلك من الأفعال التى تقوم على الشبهات والظنون والشائعات، دون أن تأخذ هذه المؤامرة طريقها الطبيعى إلى النيابات والمحاكم، ودون أن يعرف الرأى العام من هم المتآمرون وما هى الاتهامات المنسوبة إليهم.
معنى ذلك أن المؤامرة بدأت تؤتى ثمارها دون أن يتم الكشف عن أركانها، فينقض مؤيدو الإعلان الدستورى على متظاهرى الاتحادية تنكيلا وتعذيبا، باعتبارهم شركاء فى المؤامرة وخونة وعملاء، وبينما تهيأت الأجواء لتقديمهم لمحاكمات عاجلة بالأسلحة والأموال التى حصلوا عليها، أفرجت عنهم النيابة العامة لعدم وجود أدلة ولأن اعترافاتهم تم انتزاعها تحت الإكراه والتعذيب، ودفع الضحايا الأبرياء ثمنا فادحا لمؤامرة لا يعلموها وسالت الدماء المصرية الطاهرة على الأسفلت، بسبب الأجواء العدائية التى قسمت أبناء الوطن الواحد إلى مسلمين وكفار، ووطنيين وخونة وشرفاء وخونة، ويا ويل وطن يصبح أبناؤه إخوة أعداء.
ومعنى ذلك أن الأجواء ستظل ملتهبة وسيسقط مزيد من الضحايا الأبرياء طالما ظلت المؤامرة بهذا الغموض، لتقترب من مفهوم المؤامرة السياسية وليس القانونية، وستمتد دائرة الشبهات لتشمل المعارضين للنظام الحاكم وليس المجرمين الحقيقيين الذين يحولون المظاهرات السلمية إلى حفلات للقتل والتعذيب، وتشمل أصحاب الرأى والفكر وليس حملة الخرطوش والمولوتوف، وتلك دوامة جهنمية ليس لها نهاية ولن ينجو منها أحد.. ويجب أن نقطع الشك باليقين والشائعات بالحقائق، ولن يتحقق ذلك إلا بكشف أسرار المؤامرة - التى لا تزال افتراضية حتى الآن - وتقديم مرتكبيها للعدالة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة