ما يحدث داخل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، غير مقبول، هذه الصراعات لا يمكن إلا أن تشير إلى مجتمع مختل.. ونحن فى غنى عما يحدث، خاصة أن كثيرا من المواد التى طرحت خلال أربع مسودات متتالية، لا تعبر عن أطياف المجتمع، بل هى تغترب عن الجماهير التى وضعت أملها فى هذا الدستور المرتقب الذى يشكل شخصية مصر فى السنوات المقبلة، وليس من المقبول ولا المعقول أن نصنع دستوراً لكى يستمر عاماً أو عامين وتنتهى فاعليته بعد ذلك وعندها يصبح شكل مصر أمام العالم، غير قابل للتصديق، فمكانة مصر أكبر من هذا التجريب الذى لا يوحى بأن فى مصر كبار القانونيين والمشرعين، ومصر ليست دولة حديثة فى وضع الدساتير، ومن العيب أن نقول إننا فى حيرة تصل إلى أننا أصبحنا فى طريق مسدود!!، شىء محير حقا.. فالأزمة ليست أبدا فى التشكيك فى رجال القانون والفقهاء الدستوريين، ولكن العيب كل العيب فى تشكيل اللجنة التأسيسية الذى جاء تحديا لكل المطالبين بالتغيير والثوريين فلم يكن ممثلاً لكل فئات المجتمع وخلا من كثيرين من أصحاب الفكر والرأى الذين طالبوا بأن يكون الدستور الجديد مناسباً لأول دستور يصدر فى القرن الحادى والعشرين، القضية كانت تحتاج إلى كثير من الفطنة والحكمة والتروى، حتى لا يطلق عليه الدستور المسلوق، خاصة أنه يجىء فى وقت عصيب من تاريخ الأمة، وقت يمتلىء بكل ألوان الصراعات وكل أنواع الاختلافات، وكل أشكال التضاد، فى هذا الوقت بالتحديد علينا أن يكون التحدى هو الأساس وهو الذى يمكن أن يضع لنا يقينا وسط الظلام الكثيف والخلافات المستمرة التى تجعل السلفيين غاضبين والليبراليين غاضبين والنساء غاضبات، لا يوجد حد أدنى من التفاهم والاقتراب، وكلما اجتمعنا افترقنا، فهل من المعقول أن نلتزم بالمدة المحددة يوم 12 ديسمبر لتسليم الصورة النهائية للدستور، والجميع يطلقون على اليوم المزمع 12-12 أنه يوم القيامة، لأننا لا نضمن مع هذا اليوم أى فرصة للتلاقى.. أنا شخصياً أتمنى أن تمتد مدة كتابة الدستور حتى نضمن سلامته.. وخروج المسودات كل أسبوعين ليتعرف الشعب على التطور الذى حدث وهل أرضى الجميع أم لا، أمر حسن.. فحتى اليوم لا توجد الترضيات الكافية لكل الفئات، وكما قلنا القضية تحتاج إلى وقت.. والدكتور الغريانى يتسم بالصبر وقوة العزيمة، فهو يتقبل الانتقادات بصدر رحب، ولا يهدأ قبل أن يناقش الجميع ويرسم كل الاحتمالات، وأرجو أن يبقى بهذا الأسلوب وهذه السمات التى من شأنها الوصول إلى أعلى صيغة لأننا لا نحتاج إلى دستور قوى فقط، بل المفترض أن يكون أقوى دستور شهدته مصر، فلابد أن يكون أكثر شمولاً وقوة من دستور 1923 ودستور 1971 وغيرهما.. ولهذا فالتعجل ليس من الصالح ولابد أن يعطينا الرئيس الدكتور محمد مرسى فرصة لمد مناقشات الدستور، خاصة أن المسودات الخمس التى قرأناها كانت تتطور الأخيرة عن السابقة لها بصورة ملحوظة، واستمرار هذا التطور يشير إلى نضج نحتاجه ويرضى معه كل المختصمين أو على الأقل يُقنع المتصارعين نحو الصواب حين يختلفون على هدف غير حقيقى أو رأى غير صائب.. وهذا كله يحتاج إلى ثلاثة شهور أخرى للوصول إلى رحلة التوفيق، حتى لا يقال فى يوم من الأيام إن الجمعية التأسيسية كانت هزيلة وإن ما ينتج عنها سيكون سيئ السمعة وسبة فى جبين مصر.. يجىء هذا التخبط ونحن لدينا خبرة فى وضع الدساتير تصل إلى 120 عاماً، ومعنى هذا أن الخلافات السائدة تعبر عن تراجع كبير وأن الواقع يرسم صورة متردية وغير ناضجة.. ولا تلبى طموحات كل القوى السياسية، وبهذا فإنه من الصعب فى حال صدوره فى الوقت المحدد منتصف ديسمبر أن يكون معبراً عن مصر وعن شعب مصر وعن شخصية مصر.. وبهذا فإنه يكون فاقداً للشرعية، والحل ليس فى انسحاب الأعضاء بل العمل بهدوء لإنجاز أكبر قدر من التعديلات التى نقول معها: «هذا دستور مصر».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة