وائل السمرى

عقيدة «اخطف واجرى»

الأربعاء، 14 نوفمبر 2012 12:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لو كنت تريد أن تبنى بيتا، ثم قال قائل: انتظر لأن هذه الأرض لا تصلح للبناء، فماذا ستفعل؟ من المؤكد أنك ستنتظر حتى يأتى مهندس متخصص حتى يبت فى الأمر، وبعد أن ينصحك المهندس بنصائحه الفنية من المؤكد أنك ستعمل بها، فلو جزم بأن الأرض لا تصلح إطلاقا فستبحث عن غيرها لأنك ستضع فى بيتك المأمول أولادك، وإن قال لك إن البناء يحتمل «مغامرة» قد تصيب وقد تخطئ، فمن المؤكد أنك ستنأى بأولادك عن المغامرة لأنهم فلذات كبدك وأملك فى الحياة، إما إن قال لك إن الأرض ستكون صالحة تماما بعد أن تجرى لها بعض المعالجات، فمن المؤكد أنك ستجريها بدقة وصرامة، آملا أن يعم الأمن على أولادك الذين يريدون أن يطمئنوا على حياتهم ومستقبلهم، وهذا ما يفعله من يخشى على «بيته» وأولاده، أما فإن فعل غير ذلك فهو أحد ثلاثة، إما سفيه غبى مخبول، لا يقدر الأمور تقدريها الصحيح، ولا يعى ويسمع، أو مريض متواطئ سادى مجرم لا يريد لأولاده التنعم بالحياة المطمئنة، أو أب غير شرعى لأبناء مخدوعين، وفى الحالة الأولى يستحق هذا الأب الحجر، لأنه سيورد أبناءه موارد التهلكة، وفى الحالة الثانية يستحق السجن أو على الأقل مستشفى الأمراض العقلية لأنه يريد أن يعذب أبناءه طوال حياته مستمتعا بمعاناتهم، أما لو كان من أصحاب الحالة الثالثة فإنه بلا شك يستحق عقابين، الأول السجن لأنه أب مزيف يدعى شيئا غير الحقيقة، والثانية القتل لأنه يريد أن يقتل أبناء غيره وتوافرت لديه المعرفة التامة بمدى خطورة الفعلة التى أقدم عليها.

لا داعى هنا للاستذكاء لتتأكد من أن البيت الذى ضربت به المثل فى المثال السابق هو بلدنا ودستورها، ولا داعى أيضا لتتأكد من أن الأب الذى أشير إليه هنا هو من تولى مقاليد الأمور بعد يناير 2011 سواء كان هذا «الأب» هو المجلس العسكرى أم الإخوان، فما نمر به منذ ما يقرب من عامين أشبه بحالة بناء، وهى الحالة الأخطر دائما، فما بنى على التقوى أحق بأن نقيم فيه، أما ما بنى على جرف هار فمصيره الانهيار، لكننا للأسف لم نحظ حتى الآن بمن يتقى الله والوطن فينا، وكل إجراءاتنا منذ بداية الثورة وحتى الآن تزيد مشاكلنا تعقيدا وتفاقما، وسبب ذلك هو أن من تولوا مقاليد الأمور فى بلادنا لم يعتنوا كفاية بهدم النظم القديمة البالية، وإنما أرادوا أن يغيروا «وجوه» من يجلسون على مقعد الحكم، دون أن يحدثوا تغييرا حقيقيا فى البلاد خوفا من أن يعصف التغيير بهم وأن يخرجوا من بوابة التاريخ إلى هاويته.

استبدل القائمون على حكم مصر عقيدة «اخطف واجرى» بعقيدة «مصرنا وطننا» فما تراهم يوما يدافعون عن الوطن ككل، وإنما يدافعون عن ما سيأخذون من كعكة الوطن، لذلك فلا يهم من يضعوا الدستور الآن أن يحدثوا توافقا حوله، وكذلك لا يهمهم أن ينتظروا الرأى القانونى فى شرعية الجمعية التأسيسية للدستور، ولا يهمهم أن تصيبهم شبهة الرشوة بعدما تمرمغوا فى الوظائف العليا بأمر من رئيس الجمهورية وكل همهم فقط أن يمرروا الدستور الذى يريدون لتستتب لهم الأمور أولا ثم «إن شاالله تولع مصر» كما قال أحدهم، فى تبديد وقح للأمانة، واستغلال عفن للحظة التاريخية السوداء التى أتت بهم، لكنى برغم ذلك أؤمن بأن مصير هؤلاء جميعا كمصير ذلك الأب الذى يريد أن يبنى بيته دون مراعاة لمستقبل أبنائه، كما أوضحت فى بداية المقال.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة