كرم جبر

كأس التنصت المرة!

السبت، 10 نوفمبر 2012 04:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لن يأمن المجتمع شر جريمة التنصت إلا بنصوص دستورية قاطعة، تصون حق الناس فى الأمان الشخصى، وتحترم الخصوصية وتمنع اختراقها والتلصص عليها، وتقصر تسجيل المكالمات فى حالات محددة وعلى سبيل الحصر، وبإذن قضائى مشفوع بالأسباب والأسانيد، ولا أضيف جديدا إذا قلت إن كثيرا من الناس يتحفظون أثناء الحديث فى الهاتف، لشعورهم أن هناك طرفا ثالثا معهم على الخط يسمع ويسجل ويكتب التقارير ويفسر كل شىء على هواه، وزادت الهواجس عندما قال الدكتور عصام العريان إن الرئاسة سجلت مكالمات النائب العام، ولم تتبدد الشكوك حتى بعد نفى الرئاسة.

وزادت المخاوف بعد هجوم الرئيس مرسى على المعارضة، وتأكيده وجود تسجيلات لمن هم مع الثورة ولمن هم ضدها، فلأول مرة فى تاريخ مصر يؤكد حاكم وجود مثل هذه التسجيلات ولا يدينها ويتوعد من قاموا بها بالمحاكمة.. صحيح أنها كانت موجودة بالفعل، ولكن الأنظمة السابقة كانت تنفى وجودها وتتبرأ منها، ولا ننسى أن الرئيس السادات اكتسب شعبيته فى بدايات حكمه عندما قام بحرق التسجيلات المنسوبة لما سمى بمراكز القوى، واعتبر السياسيون هذه الخطوة انتصارا كبيرا للحرية والديمقراطية واحترام الحياة الخاصة، ورفع سيف التهديد المسلط على رقاب المعارضين.

لا يمكن أن تستخدم شماعة «الأمن القومى» لتبرير هذه الجريمة البشعة، لأنها سبة فى جبين الأمن القومى، وألحقت أبلغ الأذى والضرر بالمعارضة والمعارضين، وكانت من أهم أسلحة التلفيق والتخويف والتشويه والابتزاز السياسى، وتصيدت علاقات خاصة وأمورا شخصية وأسرارا عائلية، وقوضت «الأمن الشخصى» للمواطنين وظلت سلاحا سريا للتهديد تارة وعلنيا تارة أخرى، واستخدمتها الأجهزة خارج نطاق القانون وفقا لأغراضها وأهوائها، وكم خرّبت بيوتا وهدم أمن واستقرار أسر وعائلات، واستخدمت لتصفية الحسابات السياسية بطرق غير مشروعة ودنيئة وحقيرة وغير إنسانية.

الدستور يجب أن ينتزع هذا السلاح القذر من أيدى الأجهزة التى تستخدمه، فليس معقولا ولا مقبولا أن تكون حياة الناس مستباحة ومنتهكة فى عصر الموبايل، خصوصا أن كثيرين حين يتحدثون فى الهواتف يكونون على راحتهم، ويمكن أن يحمل الكلام أكثر من مغزى ومعنى، وأتذكر أن إحدى الفنانات الشهيرات كانت تطلب من صديقتها فستانا أخضر، ففسر ضابط الآداب «الأخضر» بأنها تقبض بالدولار، ولفق للفنانات قضية دعارة أحدثت دويا هائلا منذ سنوات، ولكن القضاء حكم بالبراءة من أول جلسة، لعدم وجود جريمة من الأساس، وناشد المشرع تشديد العقوبة فى جناية التسجيلات. التسجيلات سلاح غادر لك اليوم وعليك غدا، وإذا توسعت السلطات فى استخدامها فلن ينجو منها أحد، لأن السلطة لا تدوم إلى الأبد، من يجلس فى مقاعد الحكم اليوم سيكون معارضا غدا، والأجهزة التى تستخدمها لنفاق الحكام والتقرب منهم، ستعيد استخدامها لصالح من يجلس على الكرسى، والضمان الوحيد للحاكم والمحكوم فى آن واحد هو نزع فتيلها وإبطال مفعولها وإدخالها حظيرة القانون بضمانات دستورية قاطعة ومحددة، وإذا لم يحدث ذلك فسوف تصبح مثل الكأس المرة.. وكل الناس شاربها.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة