كرم جبر

بين "طره" و"استاد القاهرة"!

الإثنين، 08 أكتوبر 2012 11:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مبارك فى سجن طره وشفيق فى الإمارات وطنطاوى وعنان فى البيت، وهم الأحياء الغائبون الذين شاركوا فى حرب أكتوبر، بينما جلس فى استاد القاهرة بعض الذين خرجوا من السجون والمعتقلات، والذين باركوا قتل بطل العبور الرئيس أنور السادات وأقاموا الأفراح والزينات، وكأنه ليس مناسبة قومية بل احتفال إخوانى أو مؤتمر انتخابى للرئيس مرسى، ولا يمكن أن تقول شيئا غير "قدر الله وما شاء فعل"، ولو اجتمع الإنس والجن وخططوا لترتيب عملية حكم مصر بهذا الشكل.. ما إستطاعوا!.

الدروس المُستفادة من ذلك كثيرة.. أولها أن العسكر لا يصلحون لحكم البلاد، وأثبتت تجارب الستين عاما الأخيرة أن "عسكرة السياسة" تأتى بالخراب على البلد، صحيح أن مبارك حكم 30 عاماً، ولكنه فشل فى تأمين مستقبل البلاد وتهيئتها للانتقال السلمى للسلطة، ولولا رعاية الله لوقعت مصر فى أتون حرب أهلية، وإذا كان المثل يقول "ليس مهما أن يكون القط أبيض أو أسود، ولكن الأهم أن يمسك الفأر"، فالبلد ضاع من مبارك وانقلب عليه المجلس العسكرى، ولم يحمه طنطاوى ولا عنان، بل سمحا للمتظاهرين أن يكتبوا على المصفحات منذ الأيام الأولى للثورة "يسقط مبارك"، وكانت هذه هى نهاية مبارك ونظام حكمه.

ثانيا: "لو دامت لغيرك ما وصلت إليك"، وانهار نظام مبارك لأنه أراد أن يوقف عجلة الزمن ليظل رئيسا مدى الحياة، وربما بعد الموت بالتوريث، فهل يستوعب الإخوان هذا الدرس أم يشربون من نفس الكأس، وهل يدركون أنه لا فرق بين "الزعيم الفرد" و"زعامة الجماعة"، وأنه لا يجب أبداً أن نستبدل هذا بذاك، بل أن تُفتح النوافذ لعملية التداول السلمى للسلطة وليس احتكارها، تداولا حقيقياً وليس صورياً، ولا باستخدام نفس الأدوات والآليات القديمة بعناوين وشعارات جديدة، وهو ما يحدث الآن من الإخوان ويثير الهواجس والمخاوف.

رجال الدين- أيضا- لا يصلحون للحكم، وخدعة "تسييس الأديان" أو "تديين السياسة" لها مخاطرها الكبيرة على اللحمة الوطنية وتماسك النسيج الاجتماعى والهوية المصرية، وليس أدل على ذلك من اشتباك رجال الدين والسياسيين بعد الثورة فى معارك جدلية حامية، وقودها الفتاوى الدينية التى تبيح المحظورات وتحظر المباح وتشكك فى الأصالة والتاريخ، وتوظف الدين تبعا للأهواء الشخصية والمطامع السياسية، وتُكفر من تشاء، وتمنح صكوك المغفرة لمن تريد، وتعيد البلاد والعباد إلى أسوأ عصور الظلام والانغلاق الفكرى.

وما حدث فى استاد القاهرة مساء السبت الماضى، يؤكد أن المصريين لم يستوعبوا بعد مخاطر "لعنة صناعة الفرعون"، فالاحتفال كان مجرد صورة مكررة ومعادة، لما فعلته الجماهير مع كل حكام مصر، من أيام فؤاد وفاروق حتى مبارك، مرورا بعبد الناصر والسادات، والآن مع مرسى وغدا مع من يأتى بعده، ولم يختف الهتاف الملعون "بالروح بالدم نفديك يا زعيم" فهو نذير شؤم وتكون نهايته انقلاب المصريين على حكامهم سواء بالرحيل أو الموت، ويلاحقونهم باللعنات والاتهامات والتجريس التاريخى، ولم يسلم زعيم مصرى واحد من هذا الداء اللعين.

لن تنصلح الأحوال إلا إذا أفلت الرئيس مرسى من "سطوة الكرسى"، فبعد أن كان يتباهى أنه لا يلبس قميصا واقيا ويسير بلا حراسات، أصبح لا يتحرك إلا وسط حراسة الأشداء وموكبه الحصين، وحتى أثناء الصلاة يقف عشرات الحراس بلا صلاة لمراقبته وهو يصلى، ومتابعة نظرات وهمسات الآخرين، ويبدو أن "الكرسى هو الكرسى"، له قوانين وأحكام مُشددة تسيطر على من يجلسون عليه، وغالبا ما يتحول هاجس أمن الرئيس إلى كابوس مخيف، إذا اشتم حراسه أيه إشارات للتهديد أو الخطر.

أما إذا اقتربنا قليلا من خطاب الرئيس دون إغراق فى التفاصيل، فأول ما يجذب الانتباه هو تكرار عادة "لغة الأرقام" فى الخطابات الرئاسية مثل سائر من حكموا مصر دون تغيير، أرقام متفائلة ومزركشة ووردية ولكنها تجافى الواقع وتتصادم معه، فمن يصدق أن أزمة الخبز تم حلها بنسبة 85٪، وأن المرور أصبح أكثر سيولة والشوارع فاضية والأرصفة بلا إشغالات، وكذلك النظافة والأمن والبوتاجاز والبنزين، وهل المقياس الحقيقى هو تلك الأرقام التى ربما لا تكذب ولكنها تتجمل، أم ما يعايشه الناس على أرض الواقع؟، وهل السعر الحقيقى لأنبوبة البوتاجاز هو المدون فى التقارير أم الذى تُباع به فى السوق السوداء؟

لا نريد أن ننظر إلى نصف الكوب الفارغ فقط بل الممتلئ أيضا، وعندما يعلن الرئيس الحرب المقدسة على الفساد، فيجب أن نشيد بذلك ونطالبه بأن تكون حرباً عادلة، لا تفرق بين فاسد وآخر على أساس الهوية السياسية أو الدينية، وأن تُسن القوانين التى تصون المال العام وتحميه وتمنع الزواج الملعون بين الثروة والسلطة، وأن تجرى المحاكمات بالقوانين العادية وليس الاستثنائية، فالغرامة المحكوم بها ضد أحمد عز تقترب من قرض صندوق النقد الدولى، ولو تحركت عجلة العدالة تجاه رجال الأعمال الذين حصلوا على ملايين الأفدنة والأمتار من أراضى الدولة بملاليم، فسوف تتعافى موارد الدولة المنهكة، بأكثر من المائة مليار جنيه التى حددها الرئيس.

وإحقاقا للحق - أيضا - يجب وقف التنابز الإعلامى فى حرب المائه يوم، وألا يكون النقد بمثابة كرباج مُسلط على الحكومة والوزراء، ولا أن يدخل الرئيس سجالات صاخبة حول النسب التى حققها فى برنامجه ولم يحققها، فمن العدل والإنصاف أن نقول إن المشاكل المزمنة والمتراكمة لا يمكن حلها فى مائة يوم أو حتى مائة شهر.. ولكن القضية الأساسية هى: هل يشعر الناس بالتحسن التدريجى فى أحوالهم المعيشية والخدمية أم إلى الأسوأ.. وهل الدولة جادة فى تنفيذ برامجها وخططها وفق جدول زمنى، أم "رجعت ريما لعادتها القديمة.. وهل استعاد الناس الأمل فى المستقبل أم ما زالوا يدورن فى متاهات الإحباط واليأس؟
لقد غربت الشمس عن جنرالات حرب أكتوبر الذين ما زالوا على قيد الحياة، لكنها لن تغرب عن الانتصار العظيم الذى صنعه الشعب المصرى كله، إنه المخزون الإستراتيجى للأمة الذى تواجه به التحديات والصعاب والمحن، ولن ينفد أبداً بإذن الله.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة