لأن النظام السياسى الجديد لم يتخلص بعد من سماته، التى درج عليها لسنوات، فبدا سلوكه مغرقا فى السرية والغموض، وهو يكتب دستور مصر، بلجنة غير متوازنة غلبت عليها فئة بعينها، وأخيرا خرجوا علينا بالمسودة الأولى التى طرحوها للنقاش العام، وعلى غير عادة كل دساتير الدنيا فى مراحل إنجازها، فقد غطيت بعض النصوص بالحجاب ربما لحجب عورتها، بينما ما بدت ملامحه حتى الآن وكشف عنه، يستدعى التساؤل وربما الدهشة، من فصيل كان حتى وقت قريب يطالب بكل ما تطالب به القوى الوطنية فى مصر، وما إن آلت إليه الأمور، حتى تغير كل شىء، وبدا فى سلوكه متطابقا فى كثير من المشاهد لسلوك نظام ثرنا عليه جميعا فى يناير.
حارب الإخوان طويلا مع شركاء النضال الوطنى لتأكيد الإشراف القضائى على الانتخابات، ثقة فى القضاء المصرى الذى مكنهم من المرور لبرلمان مصر، سواء فى ظل النظام السابق أو بعد الثورة،
هل يتصور أن ينحاز الإخوان لنص فى الدستور، يقترح جعل الإشراف القضائى مؤقتا بعشرة سنوات، ثم يؤول أمر الانتخابات إلى مفوضية عليا، تتجاهل أن تركيبتها ستكون ككل الأجهزة الحكومية التى هى على دين الملوك، وتتملق كل سلطة أيا كان لونها بذقن أم بدون.
هلل الكثيرون لمشهد إقالة طنطاوى وعنان، باعتباره أنهى سلطة العسكر على دولة نريدها مدنية وقضى على وصاية العسكر على الدولة، لتصبح السلطة ذات رأس واحدة ورحبنا جميعا بذلك، فلماذا ينحاز الإخوان لنص جديد يؤبد الوصاية العسكرية، من خلال ما يسمى بمجلس الدفاع الوطنى، والذى سيستشار فى قرار الحرب، ويؤخذ رأيه فى التشريعات، كما أن النصوص المقترحة تدرج مخصصات وزارة الدفاع كرقم واحد فى الموازنة، إضافة إلى حق الرئيس فى استدعاء الجيش لحفظ الأمن الداخلى (هل الجيش أو الشرطة ستحمى أى رئيس حالى أو قادم، من غضب شعب ودع الخوف وذبحه فى ميدان التحرير)، لماذا رفضتم وثيقة "السلمى" إذن وحركتم المظاهرات رفضا لها؟
قامت ثورة يناير بالأساس على فرعنة النظام، والصلاحيات الواسعة النصف إلهية الممنوحة للرئيس، فكيف نفهم أن تستمر صلاحيات الرئيس، بهذا الحجم المقترح فى ظل نظام يفترض أنه مختلط كما يزعمون، حيث من حق الرئيس تشكيل الحكومة، وتسمية رئيس الوزراء بغض النظر عن كونه من الأغلبية أو غيرها، هل يتحسبون لاحتمال ألا يحصلوا على الأغلبية؟ فيبقى الباب مفتوحا لتسمية رئيس الوزراء من فريق الرئيس.
أما المحافظون وتعيينهم فلم يعودوا يتمسكون بانتخابهم، ليصبح النص "ينظم القانون اختيار المحافظين ويحدد اختصاصاتهم" هل لو كان الإخوان مطمئنين إلى شعبيتهم فى الشارع، كانوا سيقترحون النص هكذا، أم كانوا سيصرون على الانتخاب.
وأخيرا.. وليس آخرا احتفظ الرئيس وفق النصوص المقترحة، بحق تسمية رؤساء الأجهزة الرقابية، ولم يترك لها حق الاستقلال أسوة بالمؤسسة القضائية، إن تجربتنا مع الفساد كانت تقودنا باليقين إلى الإصرار على استقلالية تلك المؤسسات عن السلطة التنفيذية التى يرأسها الرئيس فكيف تراقبه وهو رئيسها ومن يعين قادتها ألم يكن من اللازم أن تنتخب قيادات هذه الأجهزة من جمعياتها العمومية ضمانا لاستقلالها.
إن هذا السلوك المراوغ فى كتابة أهم وثيقة فى حياة الأمة دون طرحها لنقاش عام جاد وتوفير الوقت والظروف المناسبة لمشاركة الجميع فى صياغته، جريمة فى حق الأمة يجب ألا تمر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة