يا خوفى على مصر من سيناريو الطفلة الباكستانية الوديعة «ما لا لا» التى أمطرها ملثمو طلبان بوابل من الرصاص فى رأسها ورقبتها، أمام مدرستها هى وزميلاتها الصغيرات، ومازالت حتى الآن مصابة بشلل كامل، وفى غيبوبة عميقة ولا تدرى ما حولها، والأكثر خزيا وعارا أن يخرج إحسان الله إحسان المتحدث باسم الحركة، معلنا نجاح العملية، مبررا الهجوم البربرى بسبب «آرائها المؤيدة للغرب ونشر دعاية معادية لطالبان»، كل ما فعلته الضحية الصغيرة «14 سنة» أنها نشرت مدونة عن الحياة فى قريتها «وادى سوات» عندما كانت تحت سيطرة مقاتلى طالبان فى الفترة بين عامى 2007 و2009، وكتبت عن الإعدامات والاغتيالات البشعة والجرائم المشينة، وأصرت على استكمال تعليمها وحفزت كثير من الأسر على تعليم بناتهن، وأصبحت أصغر ناشطة فى العالم تقاوم الجهل والتخلف، ولم تأبه أبدا بالتهديدات التى كانت تلاحقها، ولم يتصور أحد أن الإجرام يمكن أن يصل إلى هذه الدرجة من القسوة والهمجية.
يا خوفى على مصر من تسرب مثل هذه الأفكار المشوهة إلينا، فى زحام فوضى الفتاوى والآراء التى تتمسح بالدين، وتنتشر بين الناس مثل فيروس الإنفلونزا الشرس، رغم أن مصر مازالت حتى الآن محصنة بكتيبة من علماء الدين المستنيرين، لكنهم يقاتلون معركة غير متكافئة ضد أفكار ظلامية، تُبيح المحظور وتحظر المُباح، وتُعادى قيم التحديث والتنوير.. ولكن إلى متى تستطيع المؤسسة الدينية المستنيرة الصمود أمام الجحافل الدينية العشوائية؟
ليس بالضرورة أن يتكرر سيناريو «ما لا لا» فى مصر، ولكن إذا استمرت الفوضى فنحن سائرون على الطريق، ولدينا بعض المؤشرات، مثل انتشار ثقافة «الثأر الشعبى» خارج إطار القانون، وأصبح عاديا أن يقتل الناس بلطجيا أو مجرما بأيديهم ويحرقوا جثته بعد التمثيل بها، وقد يقع ضحايا أبرياء لهذا النوع من انتقام القطيع.. ومثل موجات الكراهية ضد الفنانين والمثقفين والإعلاميين، التى تدهس تحت أقدامها عناصر القوة الناعمة لمصر وشعبها، بعد أن كانت من عوامل التميز والتفرد والفخر.. ومثل الفتاوى التى تحط من قدر المرأة، وتنكر علمها ووعيها وثقافتها، ولا تهتم إلا بجسدها وغريزتها.. المرأة التى كرمها الإسلام ويُهينها المتطرفون.
يا خوفى على مصر من تراجع التسامح لصالح التشدد، وانسحاب الحوار أمام الصخب والصراخ، وسيادة مفردات الشتائم والسب والقذف والتخوين فى وسائل الإعلام، وإهانة الرموز واغتيال القيم، فتحولت الساحة السياسية إلى حلبة لصرع الديوك، وأصبحت كل الأطراف تتربص ببعضها، وتحول الشركاء الذين اجتمعوا تحت مظلة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، إلى خصوم يتناحرون من أجل الاستحواذ على أكبر نصيب من كعكة السلطة، ليس ضروريا أن يكون الرصاص ساخنا مثل الذى اخترق رأس الفتاة الصغيرة، فالرصاص الناعم الذى يفتت وحدة المصريين لا يقل خطورة، ولا يقتل فورا بل على المدى الطويل، وتكون آثاره المدمرة أكثر انتشارا ومفعولا.. رصاص ليس مصنوعا من النحاس بل الأفكار، وليس محشوا بالبارود بل التناحر، ولا ينفع معه إلا أن نستحضر روح التعاون والتضامن وإعلاء المصلحة العامة فوق كل المصالح الشخصية.. وندعو الله نصلى له أن ينقذ تلك الصغيرة وأن يحفظ مصر من كل سوء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة