مر عام كامل على ثورتنا، ومع ذلك عمت المظاهرات المليونية الشوارع والميادين تطالب باستكمال إسقاط النظام وتسليم العسكر السلطة، أى أن الثورة لم تحقق أهدافها وإنما أضيف إليها هدف جديد. بدا المشهد غريبا فقبل عام كان الجيش والشعب يدا واحدة!! تأملت المشهد وتأكدت لدى إحدى السمات الهيكلية فى ثورتنا، وهى الفجوة بين الفعل الثورى والنتيجة السياسية المترتبة عليه. فدائما تأتى النتيجة أقل وأضعف كثيرا من الفعل الثورى.
هذه الفجوة للأسف لصيقة بثورتنا، وقد تبدو نتيجة طبيعية لغياب القيادة والأيديولوجية والتنظيم وانقسام النخبة، فضلا عن عدم تسلم الثورة السلطة، لكن تظل الفجوة بين الفعل الثورى والنتيجة أو النتائج السياسية المترتبة هى أبرز إشكاليات ثورتنا، وربما سر استمرارها.
ثورة 25 يناير العظيمة، نتج عنها تولى المجلس العسكرى إدارة البلاد، واختيار شرف رئيسا للوزراء، لكن المجلس والوزارة كانا أقل بكثير من أهداف الثورة ومن الأداء المطلوب لإسقاط النظام وتحقيق أهداف الثورة. وظل القرار السياسى مترددا ومرتبكا ومحافظا على جوهر نظام مبارك وأساليبه العقيمة فى الحكم. لذلك خرج شباب الثورة والقوى السياسية والشعبية فى مليونيات عديدة للضغط على السلطة غير الثورية كى تحاكم مبارك وتغير فى مؤسسات الدولة، وجاءت موجة جديدة للثورة لتطيح بحكومة شرف وتطالب بحكومة إنقاذ وطنى وإنهاء حكم العسكر، لكن النتيجة لم تتجاوز الإعلان عن تسليم السلطة فى نهاية يونيو وتكليف الجنزورى بحكومة تسيير أعمال!!
هكذا تكرر الفعل الثورى وتكررت محاولات إجهاضه والالتفاف عليه من خلال إجراءات مرتبكة ونتائج سياسية بالغة التواضع، الأمر الذى كان يضاعف من أسباب السخط ويمنح الثورة زادا جديدا يحافظ على استمرارها وقوتها. وللإنصاف فإن انقسام النخبة، وانتهازيتها، واختلافات شباب الثورة مكن المجلس من الانفراد بالحكم وإجهاض الفعل الثورى وطرح ترتيبات سياسية بائسة، مثل إصدار إعلان دستورى مخالف لبعض ما جاء فى الاستفتاء، وتهميش دور الحكومة، وتأخير إجراء الانتخابات وتشكيل مجلس استشارى بدون صلاحيات محددة.
ومع حلول ذكرى الثورة تفجرت موجة ثورية جديدة لكن يبدو أن نتائجها السياسية لن تكون أفضل مما سبقها. فشباب الثورة يطالبون بتسليم المجلس العسكرى السلطة بشكل فورى إلى رئيس أو مجلس رئاسى يختاره البرلمان ويقوم باستكمال المرحلة الانتقالية، لكن الإخوان والسلفيين لا يرحبون بهذا الاقتراح، كما أن شباب الثورة غير متفق على هذا الاقتراح. وإنما يتفقون على ضرورة المحاكمة العادلة لقتلة الشهداء وإسقاط النظام بتطهير الشرطة والقضاء والإعلام. وهى أهداف مهمة لكن تتسم بالعمومية ولا يوجد اتفاق على أساليب أو توقيت تحقيقها. من هنا يمكن للمجلس العسكرى وكما حدث مرارا إجهاض هذه الأهداف والالتفاف حولها، ومن ثم البقاء فى الحكم حتى نهاية يونيو القادم.
تعلم المجلس العسكرى عبر أخطائه - وهى كثيرة - أنه يمكن التفريق بين قوى الثورة والاستفادة من اختلافاتها، وتعلم أيضا كيف يكسب الوقت لكنها دروس كلفته كثيرا وأساءت إلى صورة ومكانة الجيش فى إدراك المصريين، بدليل الهتافات الغاضبة غير المسبوقة فى تاريخ مصر ضد العسكر. خسر المجلس العسكرى صورته وأساء إلى منجزاته وتضحياته عندما وقف مع الثورة وحمى الثوار، وأمن أول انتخابات نزيهة منذ 60 عاما. لذلك لابد للمجلس أن يتخلى فورا عن الحكم ويعود لممارسة دوره العظيم فى حماية الأمن القومى، وهو دور تحتاج إليه مصر كما يحتاج إليه الجيش. ولا يعنى ذلك سوى أمر بسيط وهو عودة الأمور إلى طبيعتها، فدرس التاريخ يقول إن الجيوش تفسد إذا دخلت السياسة، وبالقدر نفسه تفسد السياسة ويفسد السياسيون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
نعم ثوره عظيمه بنتائج رخيصه
عدد الردود 0
بواسطة:
عدلى عبد الباقى السيد
وضعت يدك على الجرح
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف محمد
معك كل الحق
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود ابراهيم
يادكتور شومان مقالك رائع ولكن كان يجب ايجابيات الثورة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
بصراحه انا واحد من المواطنين حاطت ايده علي قلبه من الخوف من المستقبل المظلم لامات الذقون
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود السيد
هل يستجيب العسكر