النوايا المخلصة التى دفعت القائمين على إصدار الطليعة 21 فى الذكرى الأولى للثورة هى التى دفعتنى للكتابة، ولأن إصدارًا جادّا لا يقف خلفه ممول محتمل ويعبر عن طريقة تفكير «تتفق أو تختلف معها، ليس مهمّا» لا يريد القائمون على حكم البلاد «تعويد الناس عليها» يجب الاحتفاء به، المجلة الجديدة التى يرأس تحريرها إيمان يحيى ومصطفى الجمال تستدعى طليعة ستينيات وسبعينيات القرن الماضى والتى كان يرأس تحريرها لطفى الخولى ويكتب فيها إبراهيم سعد الدين وميشيل كامل وعبدالمنعم القصاص وأبو يوسف وعبدالمنعم الغزالى وفاروق عبدالقادر ورشدى سعيد وعبدالملك عودة وعبدالرازق حسن وغيرهم من طليعة ذلك الزمان.
تخرج المطبوعة الجديدة فى لحظة مليئة بالتناقضات المتشابكة.. ثورة لم تكتمل وثورة مضادة فى السلطة، انتفاضات فى الشارع وانتخابات برلمانية شعبية! ونزوع ديمقراطى وشبح لدولة دينية فى الأفق، وهذه التناقضات لا يمكن القفز عليها أو تجاوزها، وبالتالى سعى الإصدار الجديد إلى قراءة المشهد على مائدة اليسار المصرى الذى دافع عن مدنية الدولة وحرية التعبير والاعتقاد والبحث العلمى، ووقف إلى جانب العمال ومطالبهم المشروعة فى الماضى، وأسهم وجوده فى الميادين فى عدم رفع شعارات دينية طوال 18 يومًا فى الميدان، ومع هذا أخفق مع شباب الثورة فى تحقيق النتائج المرجوة فى الانتخابات الأخيرة، توجد مقالات مهمة لحلمى شعراوى وعبدالعال الباقورى وعلاء عوض ومصطفى الجمال وسلوى العنترى وشوقى جلال وخالد أبوالروس، بالإضافة إلى مقالات قديمة لزكى مراد ورؤوف عباس، وحوار «لا محل له من الإعراب مع صنع الله إبراهيم»، وتوجد بالطبع بعض الملاحظات على الإخراج الفنى وعدم تحرير المادة وغياب الانسجام التحريرى، ولكنه عدد أول، ويمكن فى المستقبل الاعتماد على محررين متطوعين يقومون بالمطلوب لكى ينسجم الشكل مع المضمون، وأهم ما لفت نظرى فى العدد مقال الدكتورة سلوى العنترى عن الوضع الاقتصادى الحالى والذى تسعى التصريحات الرسمية إلى تخويف الناس من انهياره، بعد تآكل الاحتياطات الدولية الرسمية التى تراجعت من 35 مليار دولار فى يناير 2011 إلى 20.1 فى نهاية نوفمبر من العام نفسه، ناهيك عن المليارات التى خسرتها البورصة، وتفاقم عجز الموازنة ليبلغ أكثر من 130 مليار جنيه، بالطبع توجد تحديات صعبة، ولكنها نجمت عن السياسات التى طبقت فى العقود الثلاثة الماضية، وسوء إدارة المرحلة الانتقالية بعد الثورة، وخلصت الدراسة إلى أن الاقتصاد ليس على شفا الإفلاس، لأن مصر سددت على مدى الشهور الماضية جميع التزاماتها الدولية، وتغطى احتياطات مصر الدولية الديون الخارجية قصيرة الأجل نحو 7 مرات، والبيانات الرسمية تشير إلى استقرار معدلات الاستثمار المحلية ومعدلات ادخار القطاع العائلى، كما تشير إلى زيادة حصيلة الصادرات وإيرادات قناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج، وكلها مؤشرات وأرقام تؤكد على حرص المصريين على مساندة الثورة والحرص على انتصارها، الثورة التى قامت لأنها ضد تزاوج السلطة والثروة، وأعادت النظر فى سياسة الخصخصة والاحتكارات التى سيطرت على قطاعات الإنتاج والتوزيع، وكانت تسعى للهيمنة على قطاعات التعليم والصحة ومرافق الخدمات العامة لتفرض أسعارًا للخدمات قادرة على الإطاحة بالجنيه المصرى، تجلت أزمة النظام الرأسمالى قبل الثورة فى نمط الاستثمار الذى يركز على المشروعات كثيفة رأس المال وكثيفة الاستخدام للطاقة «المدعومة!»، وتركزت الاستثمارات فى القاهرة والإسكندرية ومدن الوجه البحرى الكبرى، فى تحيز واضح للحضر على حساب الريف، وفى ظل سياسات اقتصادية تروج لها مبادئ الليبرالية الجديدة المعروفة بتوافق واشنطن تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدوليين ووزارة الخزانة الأمريكية، أسفر النمو الاقتصادى عن تدهور أحوال الطبقة العاملة نتيجة الخصخصة وتصفية المصانع، كما تدهورت أوضاع الفلاحين نتيجة تحرير العلاقة الإيجارية وارتفاعها لأكثر من خمسين ضعفًا، والنتيجة أن نسبة الفقراء الذين يعيشون بأقل من 2 دولار فى اليوم بلغت %43 من إجمالى السكان، وليتركز نحو %78 منهم فى الريف.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة