على قهوة مشكاح جلس النوبى بنديرة بجانبى.. وبعد نقاش ثورى طويل بينى وبينه لم يقل خلاله النوبى أى كلمة انتفض النوبى واقفاً، وقال: «يا مسروق فوق لنفسك واستفيد من المرحلة الجديدة بقى حتفضل طول عمرك تدى ولا تخدش.. سألته تقصد إيه يا نوبى؟ «جلس وسحب نفس هادئاً من الشيشة المليطة التى لم يتغير ماؤها من قبل الثورة، وقال لى: «شوف دلوقت الثورة قامت والفسدة دخلوا الجحور والشرطة اتلمت وما حدش حيقدر يضربك على قفاك بعد كده، ولا يضرب عليك فردة، ولا يشاركك رزقك.. إنت تاخد التاكسى بتاعى وتوكيل منى وتروح ترخصه فى المرور وتدفع الضريبة وتفحص، وده كله مقابل تأجيره لك لمدة 3 أيام ترزق فيها بالحلال وما حدش حيقدر ياخد منك مليم بعد الثورة» فوراً جريت على أم العيال وزفيت إليها الخبر مطالباً إياها ببيع آخر طشتين نحاس من ورث أمى والتليفزيون والتلاجة حتى أسدد رسوم الترخيص والفحص، ووعدتها إنى حارجعهم لها بزيادة لما العجلة تدور فردت فى بلاهة «مسروق يا حبيبى إنت كل مرة تبيع حاجة من البيت، وبعدها تتقلب وترجع لى أبيض يا حبيبى».. رديت فى عنف «يا ولية افهمى.. الثورة قامت وكل حاجة اتغيرت فزى قومى حضرى الحاجة اللى حنبيعها».. قامت اللئيمة، وهى تهمهم وتزوم، وسمعتها بتقول «المتعوس متعوس لو علقوا على ط... ألف ثورة».
سيلت الأصول الثابتة لبيتنا إلى أموال وتوجهت إلى المرور بسيارة النوبى التى فضحتنى طول الطريق بصوت العفشة والموتور، وعلى باب المرور لم أجد شرطياً، ووجدت أشخاصا مدنيين ينظمون الدخول فاستبشرت خيرا باستمرار نشاط اللجان الشعبية وسيطرتها.. واقترب منى أحد المنظمين وأدخل رأسه داخل السيارة قائلاً: «إيه النظام»، وفوجئت أنه الواد مبروم البلطجى اللى كان محبوس تأبيدة قبل الثورة.. قلت له «حمداً لله على السلامة يا مبروم.. إيه خرجت بنص المدة؟».. رد ويده على قفايا لأ يا روح أمك خرجتنى الشرعية الثورية.. خلص بقى وقولى إيه النظام.. تجديد ولا تجديد وفحص؟ «رديت» وإنت عاوز تعرف ليه؟.. قال لى «عشان أحدد حتدفع لى كام ودورك حيبقى نمرة كام» انتابتنى رعشة عنيفة، وصرخت «فردة بعد الثورة؟! ده على جثتى»، وجريت على مكتب الضابط الذى استقبلنى بوجه بشوش وابتسامة عريضة، وحوله 20 من أصدقاء المبروم وزملاء السجن خرجوا معه بحكم الشرعية الثورية.. المهم قال لى الضابط «زعلان ليه يا مسروق أنا مهمتى اريحك، فالشرطة فى خدمة الشعب خاصة الثوريين اللى زيك «حكيت له على الفردة رد الظابط»، وقال لى: «الشرطة يا مسروق اتغير دورها وما تقدرش تزعل حد من الشعب واخواتك اللى بيساعدوك بره دول من الشعب وما نقدرش لا نزعلك ولا نزعلهم، ونصيحة منى روح اتراضى معاهم يا مسروق واديهم عرقهم والشاى بتاعهم».. ونظر إلى الأمناء المحيطين به، وأضاف قائلاً: «وراعى برضه إن وراهم مصاريف وبقاق مفتوحة عاوزه تعيش.. ولازم تعرف إنه بعد الثورة كله بالتراضى وما حدش حيزعل والشعب للشعب» وما أن أنهى كلماته حتى دخل المبروم وسحبنى من قفايا ورمانى بره مصحوبا بشلوتين شعبيين.. وانتهى الأمر بى بدفع ثلاثة أضعاف رسوم الرخصة ورجعت للنوبى عشان آخد منه الفرق فرد: «وأنا مالى يا مسروق وكمان عاوزنى أدفع رشوة بعد الثورة.. دى مصيبة إيه دى..» أيقنت بأننى كعادة جدودى شربت المقلب، وقلت لنفسى كعادتى: «قضا أحسن من قضا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة