اسمى وصفتى وحالى مسروق بن مسروق.. أنتمى إلى أعرق عائلات مصر وأكثرها ثباتاً على الحال.. فأبى وجدى وجدود جدى كلهم مسروقون.. أروى لكم وقائع يومياتى التى أعيشها حاملا خبرة مئات السنين من صبر «مسروق» على ما يراه «مكتوب».
أدركت أنه لا معنى لمذكراتى كمسروق بعد هَبّة الشعب على السارقين.. ولكنى بعد عام تأكدت أن مذكراتى وخبراتى كمسروق مازالت فى عالم الواقع، ويبدو أنها لن تموت أبداً، فهنيئاً لشجرة عائلتى التى لن تنتهى، ومبروك لسلسفيل أهلى فلن يفقدوا مركزهم كمسروقين ولن يخسروا ثواب صبر السنين.. سأروى لكم فى مذكراتى بعد هبة المصريين، وأقول لكم: لماذا عودتى المحمودة?
فى يوم الجمعة 28 يناير من العام الماضى وكزتنى أم العيال فى قوة وكزة موسى عليه السلام صارخة فى أذنى كعادتها قائلة «قوم ياصدمان الدنيا مولعة وانت لسه نايم فى السرير.. بيقولوا فى ثورة فى البلد وانت عمال تشخر تحت اللحاف» ضربتها على رأسها صارخاً فى وجهها «تانى ياولية.. انتى مهمدتيش آخر مرة صحتينى عشان الثورة خلتينى خرجت بالشومة وورقة الشعارات وطلعت فى تونس وأكلت علقة ميكلهاش حمار فى مجلس.. اتخمدى ونامى»، وما إن مرت لحظات على حوارنا الرقيق حتى تسرب دخان ورائحة مقرفة من تحت عقب الباب أسالت دموعى فأيقنتُ أن هناك حدثا جللا وربما يكون كلام الشومة اللى جنبى صحيح.
أخذت حذرى وخرجت إلى الشارع مسترشداً بدرس علقة الموت التى ظبطنى بها الصول بلال ومأمور القسم بسبب تصورى أن الثورة التونسية قامت فى مصر، وسرت فى الشارع أبحث عن دليل على قيام الثورة فى مصر، وكانت عملية صعبة وسط دخان القنابل المسيلة للدموع وهتافات المتظاهرين ودماء المصابين وجثث القتلى، فعلقة الصول بلال علمتنى أن أبحث عن اليقين الذى لا يدخله شك على قيام الثورة، حتى وجدت امرأة ترتدى ملاية لف تصرخ فى وجهى وتقول «وسع يا مسروق يا ابن الكلب» وتشابه علىّ الصوت فركزت فى وجهها واكتشفت أنه الصول بلال يرتدى لبس حرمة فأيقنت أن الثورة وصلت مصر.
ديلى فى سنانى على الميدان شاركت الثوار رمى الطوب وحمل المصابين والقتلى، ووسط الميدان وبعيداً عن المخاطر كان رجال الأحزاب ومشايخ المعارضة يقفون على المنصات يخطبون خطبهم العصماء أمام الكاميرات، أعطيتهم ظهرى، وحملت مقطفى أنقل به الحجارة للثوار وأنقل الماء والأدوية لمراكز العلاج وأبكى الشهداء وألثمهم.. وبعد أيام جاءت البشرى وتنحى النظام وهتفنا الجيش والشعب إيد واحدة.
ما علينا.. جرت الأمور على ما جرت عليه.. وعندما سمعت عن لقاء سياسى لتحديد مسار البلد روادتنى نفسى، وأوحت لى بأنه انتهى وقت القتال، وحان وقت النظام والحكم، فلبست ما على الحبل من ملابسى الرثة وامتطيت حذائى نصف البالى بتاع المناسبات وانطلقت فى فرحة لمقابلة زملاء النضال فى الخط الأول لأشاركهم الإدارة الجديدة لمصر وإعلان انتهاء زمن المسروقين.. وما إن دخلت القاعة الكبرى حتى حاصرتنى وجوه وجيهة وجاهة النظام السابق وبدل نظيفة ورتب تلمع على كتف وجوه محمرة صارمة وبحثت فى الوجوه فلم أجد سوى أصحاب المنصات أثناء الثورة ولم ألمح وجهاً واحداً من وجوه زملاء نضال الخط الأول.. وقابلنى أحد مشايخ المعارضة القديمة بذقن مهذب وبدلة سوداء فخيمة وسألنى «إيه اللى جابك دلوقت يا مسروق؟» أجبت «جيت أجنى ثمار الثورة» أجابنى «ما هو إحنا هنا عشان نضمن حقك وحق كل الثوار.. وده دورنا يا مسروق.. يلا يا حبيبى ارجع انت واستريّح وإحنا عاملين حسابك فى التقسيمة الجاية ومعنا ستجد كل الخير بإذن الله» وأشار بنصف عينه فى الزاوية اليسرى فإذا بجنديين يحملانى برفق إلى الشارع مرة أخرى.. فابتسمت وقلت كعادتى: «قضا أحسن من قضا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة