كم مرة سمعت أحدهم وهو يقول «مش الثورة دى معمولة عشان الحرية والديمقراطية؟ طب أنا بقى بمارس الحرية والديمقراطية ويلعن أبو الثورة» وإن نهيته عن شتم الثورة وشبابها يقول لك «إيه أنتوا هتعملوا زى حسنى مبارك ولا إيه خلاص يا أستاذ الزمن ده انتهى؟» أنا سمعت هذه الحوار المتكرر مئات المرات، ومن المؤكد أنك سمعته ولو حتى مرة واحدة، ويبدو أن هناك فهما خاطئا فى هذه المسألة، فالبعض يعتبر أن إنجاز الثورة فى الحرية لابد أن يستخدم فى هدم الثورة، ومن ثم هدم الحرية.
تستغل جمعية «آدى اللى جالنا من الثورة» أن شباب الثورة «كيان اعتبارى» غير متجسدين فى مؤسسة أو هيئة تستطيع محاسبة من يشتمها عمال على بطال أو مقاضاة من يتهمها دون دليل، كما تستغل هذه الجمعية أن ممثلى الثورة متفرقون، والأهم من ذلك أنهم لا يحكمون، ولهذا ترى الشتائم تنهال دون وقوف وفى كل الجوانب، ويؤسفنى أن أقول إن شتم الثورة جبن وعجز عن المواجهة، ولا أعرف سببا آخر غير الجبن فيمن يستاء من القمامة المنتشرة فى الشوارع فيهاجم الثورة، بدلا من أن يهاجم المحافظة أو الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة، أو من يخاف من البلطجة فيهاجم الثورة بدلا من أن يهاجم الداخلية، ومن يخشى على الاقتصاد فيهاجم الثورة بدلا من أن يهاجم الحكومة، ومن يستاء من الوضع العام فيهاجم الثورة بدلا من أن يهاجم المجلس العسكرى..
لا أحد من هؤلاء يريد أن يعمل من أجل «حال البلد» الذى يتشدق به، ولا أحد منهم يستطيع أن يبادر ويتقدم بفكرة أو بمشروع يصلح حاله، فى ذات الوقت ترى شابا واحدا مثل وائل غنيم يحاول بإمكانياته المحدودة تبنى حملة «الفقراء أولا» ومساعدة إخواننا فى الصومال، ومساعدة إخواننا الذين يحاكمون محاكمة عسكرية، ويقدم مشروعات عديدة لتطوير التعليم، أو شابا جميلا آخر مثل جواد الطرابلسى الذى فقد إحدى عينيه فى المظاهرات ينشئ جمعية خيرية بإمكانيات متواضعة لتطوير العشوائيات، ومثل وائل وجواد آلاف الشباب الذين يعملون بكل جهد وإخلاص من أجل بلدنا.. فماذا فعل شاتمو الثورة غير الشتيمة؟
لست ضد أن ينقد أحدهم الثورة أو يشتمها، لكنى لا أعرف لماذا لا يكون النقد حقيقيا؟ ولماذا يوهمنا البعض أن مصر قبل الثورة كانت «ميت فل وتسعتاشر»؟ ولماذا لا «يسترجل» الشاتمون ويوجهون السباب إلى من يستحق السباب؟ بدلا من محاولة إفشاء حالة من الإحباط بين المصريين بأن لا شىء يحدث، وأنه ليس فى الإمكان أبدع من مبارك الذى كان، ومن وجهة نظرى فإن هذه الهجمات المدروسة المتكررة على الثورة تأتى تمهيدا للقضاء على الثورة تماما قبل انتخابات مجلس الشعب، ليأتى فاسدو الحزب الوطنى مرة أخرى فى الانتخابات ويعود بلدنا إلى ما كان عليه، ووقتها لا أستبعد أن تقوم ثورة أخرى ليست سلمية، ولا متحضرة كثورة يناير، ووقتها فلينعم بشتيمتهم الشاتمون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة