نحن لا نحجر على رأى أو قرار من أى فرد أو جهة.. ولكن يؤلمنى جدّا هذا الجهل باسم الحرية، وقد صدمتنى مجموعة من الانتقادات ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لا تحمل سوى عدم الفهم وعدم الخبرة والبعد عن الممارسات السياسية، ما جعل البعض يتمادى فى سب الجيش وحكم العسكر، وهم لا يعرفون أن القوات المسلحة هى العمود الفقرى لمصر وهى حجر الزاوية، ولو سقطت، لا قدر الله، فستتحول مصر إلى غابة من الفوضى وستكون نهاية المطاف الذى عنده ستغرق كل المبادئ والقيم والثوابت والتقاليد، وعندها أيضاً سنكون قد خلعنا «الدرع الواقى» الذى استقر به الوعد شامخاً فى حرب السادس من أكتوبر 1973، إن هؤلاء الذين يعتقدون فى أن الوطنية هى هدم كل شىء فى الدولة، فهؤلاء هم المغامرون الساعون إلى ضرب كل المجتمع من جذوره يتخيل هؤلاء أنهم يريدون بناء مصر من أول لبنة ومن أول طوبة، وقد تاه عن خيالاتهم ما حدث فى بعض الدول العربية بعد أن تفكك الجيش هناك.. وإن كان الوضع مختلفا فقد منحنا الله جيشا هو جزء من كياننا نعيش فيه ويعيش فينا.. وهذا ما أحسسته من زيارة المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إلى وسط مدينة القاهرة، تجول الرجل بلا حراسة فى الشوارع كمواطن مصرى عادى بسيط، أعجبنى فى الرجل تواضعه وثقته فى حب الشعب له، وبرغم حزمه المعروف عنه والشدة والالتزام، إلا أنه كان فى قمة الهدوء والبشاشة، واقترب من الجماهير ليعرف مشاكلهم وآمالهم وما يطمحون إليه فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا، وبرغم فرحتى بزيارة المشير التى توحى بالحميمية والحب، فإن المؤسف أن البعض تعالت أصواتهم من خلال نظرية المؤامرة، حيث قالوا إن المشير يسعى لترشيح نفسه لرئاسة مصر، وطالبوه بأن يبرر ويفسر سبب الزيارة، وكأن المشير ليس من حقه أن يتجول كمواطن عادى وسط شوارع بلده؟! لقد عدت بالمشهد إلى أوائل أيام الثورة فى أعقاب أيام 25 يناير وكان الجيش هو سند الشعب، فالناس دائما تطمئن للجيش، وحين رأيت من خلال النافذة دبابات الجيش وقواته تنتشر وسط النيران ومحاولات التخريب والسرقة واختلال الأمن، أحسست بالأمان وقلت بأعلى صوت «الله أكبر».. وكان النصر والعزة من عند الله بوجود القوات المسلحة.. لقد تاه عن كثيرين ما يحدث فى دول شقيقة ليست بعيدة عنا، مثل العراق وهو المثل الصارخ لقمة ما وصل إليه من فوضى وتقسيم والأمر ليس عند هذا الحد، فالشعب المصرى متماسك ولا يقبل الانقسام أو الخروج عن الخط الواحد أو الطريق والهدف نحو استكمال المسيرة، ولابد ألا ننسى ثوابت هى التى أسست لمجتمعنا الجديد بعد ثورة 25 يناير، لابد أن نؤكد حتى لا يفوتنا أن الجيش هو الذى أنقذ الثورة من السقوط فى براثن الفوضى والضياع، وأيقظ الوطنية فى شباب كاد بعضهم أن يحول الثورة إلى مذابح لولا كانت حكمة القوات المسلحة فقد آثر المشير طنطاوى أن يتعانق مع الشعب وألا يستخدم العنف، وأن تستمر الثورة فى طريقها بكل أمن وسلام، لم يطلق الجيش طلقة رصاص واحدة، ولم يستخدم العنف ولم يحاول كبت شباب خرجوا ليعبروا عن رأيهم ومطالبهم.. لقد تحولت الثورة إلى ثورة بيضاء بدون دم بسبب القوات المسلحة، وصارت نبراساً للأجيال وصورة مشرفة لشعب يتحرك نحو الإصلاح.. لم يتجاوز هؤلاء الشباب، ولم يلجأوا إلى العنف، بل صار القانون على أيدى القوات المسلحة هو الحكم وهو القضاء الشريف الشامخ، فاليوم تتم محاكمة رموز العصر السابق، محاكمات يشهد لها العالم كله، ولا يجد فيها أى تجاوزات أو مجاملات، لقد اتسمت هذه المحاكمات بالموضوعية وفرصة الدفاع عن المتهمين، إلى جانب الفرصة الكاملة للدفاع عن المدعين بالحق المدنى وأسر الشهداء، وهذه الخريطة المتكاملة للقضاء العادل هى التى وضعت للشعب طمأنينة نحو سير المحاكمات.
ما يحدث فى مصر اليوم يجعلنا نسعد بالقرارات التى تتخذها القوات المسلحة وبكل هدوء وبكل ديمقراطية نحو ترسيخ مبدأ العدالة والسيادة للقانون، ولكن فى مواجهة هذا تطلع علينا آراء سلبية أنا أعتبرها غير مسؤولة وغير عادلة وغير وطنية، هؤلاء الذين ينتقدون الجيش افتراءً وبدون وجه حق، هم فى الحقيقة يؤسسون لدولة الفساد بعد أن تخلصنا من دولة الفساد الأولى التى حكمت مصر ثلاثين عاماً.. إن هؤلاء من مؤيدى النظام السابق هم لا يرضون بأن تستمر مصر على هدوئها هم يريدون دائما الخلل الأمنى ويسعون نحو القلاقل واللااستقرار.. إننى فى حماية جيش اعترف به العالم كله بأنه من أقوى جيوش العالم وله سابقة عظيمة أدهشت العالم فى السادس من أكتوبر 1973.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة