كمال حبيب

الأيام والدهور

السبت، 03 سبتمبر 2011 03:55 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم والدهر والعصر والشهر والسنة، كلها مقاييس للزمان، تلك المساحة التى منحنا الله إياها لنسعى فى الأرض ونكد ونتعب وننافح ونجادل ونغضب، إنها عمرنا المقدر لنا باليوم والساعة والدقيقة والثانية.

«فإذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون»، «والأجل هنا أى الوقت المحدد بدقة لنهاية أعمارنا» والحقيقة أن الأجل ليس خاصا بالإنسان الفرد وحده وإنما هو مقدر للأمم «ولكل أمة أجل» أى مدة ثم يستبدلها الله بأمة أخرى فيما أطلق عليه «جدل الاستبدال»، كما فى قوله تعالى «وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم».

كلما تقدم بنا العمر نتأمل أكثر فى فكرة الزمن والعمر والماضى والتاريخ والفعل الإنسانى، فكل ذلك يسألنا الله عنه يوم القيامة «فلا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه».

وهنا الفناء – كما أفهم – جدل الإنسان فى الحياة أثناء عمره هل كان خيرا أم شرا؟، ولا يجب علينا أن ننظر لمسألة الأيام والدهور باستهتار، فهى جزء من خلق الله وسنته الكونية التى تدار بها الحياة ويتحقق بها الاستخلاف والعمران «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم، ذلك الدين القيم».

والأيام والدهور علامات للإنسان لكى يزرع ولكى يأكل ويشرب ويبنى الحضارة ولكى ينصب لربه ويفرغ، ومن تلك الشهور العظيمة شهر رمضان.

فكما فضل الله الناس على بعضهم، فإنه فضل الأيام والدهور، وشهر رمضان فضله الله على سائر الشهور بنزول القرآن فيه «شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن»، ولذا يمثل هذا الشهر التفاتة الإنسان إلى عمره وإلى عصره وأيامه ودهره، إنه يتوقف ليتأمل ويسأل فى عصر صعب غلبت عليه المادية وغلبت عليه السرعة وتضاغط فصار قرية صغيرة يرى الناس جميعا بعضهم البعض فيها من أمريكا وإلى أفريقيا.

مع عصر الحرية الهائلة التى نعيشها فإنه لا بد من التذكير أن الحرية ليست مطلقة وأن الإنسان مخلوق له رب، وله نهاية «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه»، «أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون»، فالإنسان خلقه الله لغاية ولهدف ولم يخلقه الله عبثا فهو - الإنسان – التجلى الأعظم لمخلوقات الله، ومن ثم فهو محاسب عن أيامه ودهره وعن ساعاته وثوانيه وعن حياته وعن عمره.

كل عام يأتى رمضان ليقول لك امتنع عن الطعام والجنس، هنا فكرة الامتناع وخلق الامتناع والضبط والطاعة والضمير والعفو هى المعانى التى يحملها الشهر الكريم ويعلمها للإنسان.
مهم أن يتعلم الإنسان المعاصر خلق الكف فيكف الأذى واللسان وقول الزور وشهادة الزور ويضبط اندفاعاته وحماقاته، لا بد للانطلاق وللتسوق وللحرية التى يمنحها العصر للإنسان من ضابط وفى شهر رمضان نتعلم كيف نعود أنفسنا على الضبط.

فى الحضارة الغربية يتحدثون عن الإنسان ذو البعد الواحد كما هو عنوان كتاب هربرت ماركيوز «الإنسان ذو البعد الواحد»، تهميش الإنسان وقتل حيواته وتقليص الإمكانيات التى منحها الله له فى شىء واحد يتطلبه المصنع أو الآلة أو عملية الإنتاج بدعوى التخصص وتقسيم العمل.

لا بد للإنسان أن يبقى إنسانا مهما بلغ التقدم مداه ومن هنا فإن الله جعل شهر رمضان مساحة للاحتفاظ بإنسانية الإنسان وتحقيق إنسانيته من خلال عبوديته لله، وفى العشر الأواخر يعتكف أى ينعزل عن العالم كله ليخلص لربه، ثم يأتى العيد فيفرح الجميع، إنها الأيام والدهور والأزمان تبقى ويذهب الإنسان.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة